حلقة مفاتيح
دعونا نحب ليبيا
مفتاح العمّاري
أعتقد جازما أننا في حيرة كبيرة نحن الذين هنا، كذلك نحن الذين هناك، طالما ثمة هنا، وهناك من يسكب المزيد من البنزين على النار لكي نحترق ولا يبقى أخيرا سوى الرماد. لو سألت أي مواطن ليبي بسيط سيقول لك: قد تعبنا، تعبنا إلى الحد الذي أمسى فيه التعب ضربا من المتاه؛ لنغدو كمن ينتظر مجهولا غامضا، لا يعرف سره غير علام الغيوب.
الذين هنا: لم يعد في وسعهم إضافة أحزان أخرى فوق أحزانهم. ولا يتوقف هذا الشأن عند من فقدوا أبناءهم وأحبابهم، أو من تهدمت بيوتهم وهُجّروا من مدنهم وقراهم وواحاتهم وصاروا شتاتا داخل الوطن، بل يشمل البسطاء الطيبين الذين ملوا من مكابدة الوقوف في طوابير المصارف والخبز والبنزين. وصاروا يتطلعون إلى بصيص من أمل، والتشبث بقشة من رجاء تهبهم أمنا وطمأنينة وسلاما.
الذين هناك: ثمة من ترك الوطن بحثا عن السلام لنفسه وعياله، وثمة أيضا من يريد أن يتنفس بحرية، ليقول كلمته من دون أن يتعرض لكتم أنفاسه؛ لأن بعض من عبّروا عن رأيهم هنا، وبطريقة سلمية، قد اختفوا فجأة، ولم نعد نعلم فيما إذا كانوا أحياءً، أو موتى.
وهكذا سنظل في حيرة، إلى أن يتفق الليبيون على حب ليبيا، ليزهو الوطن بأبنائه، ويعم السلام، وتخرس إلى الأبد أبواق الشقاق، وتقفل دكاكين الفتنة التي ما انفكت حتى لحظة كتابة هذه الكلمات على إثارة المزيد من دسائس الفرقة، لمجرد أن بضعة أوباش من سلالة العملاء واللصوص لديهم أطماع في تقطيع المزيد من أوصال الوطن، ونهب أرزاق العباد.
إذا كنت تقدس أشخاصا وتعبد أصناما وتنحاز إلى قبائل ومناطق وأحزاب وشلل، هذا شأنك طالما لن تقتل بشرا أو تخنق أنفاس الكلمة أو تبيد مزرعة وتهدم بنيانا. لكن إلام سنظل رهن هذه الأهواء الفاسدة، التي ستفرقنا عوض أن تجمعنا. فقط دعونا نتفق على حب ليبيا وحدها، كمدخل لترميم بيتنا، والحفاظ على وحدتنا وهويتنا؛ لعلنا بذلك نمهد دربا آمنا لمستقبل أجيالنا القادمة. فقط: أن يكون ولاؤنا لليبيا وحدها، ليبيا بإنسانها وذاكرتها وأرضها وبحرها وأحلامها.