مرض النسيان
نسينا وعد بلفور وتقسيم سياكس بيكو والعرب تحت السلطة العثمانية ، ونسينا التبعية والقواعد الأجنبية ، ونسينا تاريخ الغرب وما ارتكبه من الجرائم والحروب والاستعمار ونهب الثروات ، وما ارتكبوه من مجازر وإبادة وتطهير عرقي في شعوب كثيرة ، ونسينا ما فعله الاستعمار في العرب من جرائم إبادة جماعيه وتطهير عرقي ومعتقلات وتهجير ونفي ، وأستفحل المرض عند البعض حيث لازالوا يتفاخرون بالاستعمار وسنينه السودة ، ويتحسرون على أيامه البغيضة ، ولا زالوا بتكلمون بمفرداته في حديثهم ولهجاتهم ، ولا زالت بلدان كثيرة تحتفظ بأسماء ميادين وقرى وشوارع ومقار بنفس اسماء المستعمر ، وتتصدر المحلات والمتاجر والشركات يفط بلغات واسماء أجنبية ( مرض آخر خطير ) ، ومن لا يفعل ذلك يُنعت بأنه جاهل ومتخلف حضاريًا ، ونسينا مناهجنا وعلومنا ولغتنا العربية الجميلة واستوردنا ما لديهم ما يذهب العقل والشيرة ، ونسينا عندما باعوا لنا الأوهام وضحكوا علينا بشعارات الحرية والديموقراطية والقوانين الدولية الإنسانية ، والنظريات الاقتصادية والأسواق الحرة ، ومشورة وتوجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ونسينا أننا دمرنا التعليم الذي محى من مجتمعاتنا الأمية والجهل وكان متاح لكل الناس والزامي على جميع الناس ، وأستبدلنا جامعاتنا العريقة التي سبقت الغرب بالف عام بجامعاتهم ، وسلعنا التعليم وغربنا وفرنجنا حتى رياض الاطفال ، ودمرنا بايدينا الصحة التي بنيناها ووصلت خدماتها المجانية الى أقصى النجوع بعد ما حرمنا منها الاستعمار لعقود طويلة ، وصارت الآن سلعة للتربح والسمسرة ، وتعددت الأمراض والأوبئة ، وصرنا سوق مفتوح للمتاجرة في صحتنا والتربح من أمراضنا لارضاء الغرب وتطبيق نظرياته واساليبه وتأمينه وأنظمته اللانسانية ، وأنهينا الزراعة التي على الأقل كانت تحقق الاكتفاء في الأساسيات وصرنا نستورد كل شئ ، والصناعة التي تقدمت في بعض الدول العربية سرعان ما تحولت لسلع استهلاكية ضارة بالصحة والبيئة ، وركضنا وراء سراب الاقتصاد الوهمي الاستهلاكي ونظرياتهم الاقتصادية المدمرة للمجتمعات ، وياليته اقتصاد نافع أو مفيد أو له قيمة مضافة عدا التحول لمسخ وسلب الأموال ، والقضاء على الطبقة الوسطى وتشويه نمط الحياة ، ونسينا عندما اقنعونا بالعولمة وحولنا بيوتنا لمقاهي ومطاعم ومحلات ، وشوارعنا مضاءة بعلامات تجارية أجنبية نتباهى بارتيادها وارتدائها ، ونأكل سمومهم وندفع لخزائنهم ونموت بسموم مأكولاتهم أو بسلاحهم الممولين منا ، ونسينا عندما أرتمينا في فخاخ الشراكة والاستشارات الدولية ، والمنظمات المخصصة لذهاب الشيرة والقضاء على القيم والاخلاق والمبادئ العربية والاسلامية ، والاسترشاد بتقاريرهم وتوجيهاتهم المفبركة ، ونسينا عندما اشترينا بأموالنا ونفطنا كل ما يُسهل بيعنا ، وضربنا الحماية الاجتماعية في مقتل ، وتتنامى الطبقية حتى بين الأخوة ، ورضخنا تحت سلطة المال والمصالح وعلا شأن الفاسد والطالح ، وطنشنا على تغلغل الغرب فينا ثقافيا وفكريًا وأيديولوجيا ، وصرنا نجلد أنفسنا بسياطهم وهم يزرعوا بيننا الفتن والصراعات ونلجئ لهم راكضين كأنهم أهل الحكمة والحل والعقد وأولياء الله الصالحين ، وهم يسعدوا كل ما زدنا غرقاً في وحلهم ، أمرونا بتدمير مدننا وبلداننا وقتل وتهجير بعضنا وفعلنا ، ونسينا أو تناسينا أننا نتمتع بأهم موقع جيوسياسي في العالم نتصدر الشمال الأفريقي كله ، ونطل على أهم البحار والمحيطات والمنافذ البحرية ، ولدينا أكبر مخزون نفطي وغازي في ألعالم ، وشعوبنا شابة قابلة لأن تكون قوى بشرية هائلة منتجة في جميع المجالات ، وأن نتحول لقوة إقتصادية كبيرة ، ومنارات علمية لكل شعوب الأرض كما كنا ،
وللأسف نسينا كل شئ حتى قضيتنا العربية إلى أن شاهدنا ما يحدث لغزة ولكل أهلنا في فلسطين ، والذين يُقصفوا على المباشر ، وتدمر المساكن ودور العبادة والمدارس والملاجئ على رؤوس ساكنيها المدنيين الأبرياء ، وتقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية والهلال الأحمر وفرق الإنقاذ ، ويموت أمام أعيوننا الجميع الطبيب وعائلته والمسعف وأهله والجرحى والمرضى ،
وتناسينا أو انسونا اننا من هزم الروم والتتار والمغول وكل الغزاة وذهبوا للجحيم وبقينا على أرضنا ، وتناسينا اننا من علمهم الطب والفلك والرياضيات والعلوم والمعرفة والحضارة ….
وفي غزة يولد جيل جديد لن ينسى من جيل شهيد لم ينسى ..