نبض الشارع
على الرغم من محدودية المساحة الجغرافية ، وقلة الموارد الطبيعية فيها ، بلغت قيمة المنتجات الصناعية والزراعية وخام الفوسفات التي صدرتها تونس خلال العام الماضي نحو 43.85 مليار دينار، أي مايقارب 15 مليار دولار .
هذه القيمة المتزايدة عاما بعد آخر ، الناجمة بشكل كبير عن الاستثمار الأجنبي ، تعبر بوضوح عن قدرة الإدارة التنفيذية بتونس في قيادة دفة الاقتصاد نحو الوجهة الصح التي توفر فرص العمل والأمن الغذائي ، وفرض سيطرة تسويقية بحوض البحر المتوسط خاصة في المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية .
وفي ليبيا التي تتمتع بمساحة جغرافية شاسعة توفر مناخا مناسبا للتنوع الزراعي ، بالإضافة إلى وفرة كبيرة في خامات عدة معادن ، بما فيها الذهب ، مازالت تعتمد على تصدير النفط الخام والغاز ، وكأن لا حيلة لها سوى هذا المورد ؟!!. ونتيجة الاستكانة لهذا المورد الريعي الوحيد ، تم الركون على مدى عقود إلى الاستيراد بصورة شبه مطلقة لكل ماهو مهم أو غير مهم . لتصبح البلاد سوقا مفتوحة على مصراعيها قبالة الاستيراد ، أمام صادرات محتشمة لا تكاد تذكر تسجل بين الحين والآخر بغرف الصناعة والزراعة أو عبر مركز تنمية الصادرات !!
يحدث ذلك ، ومازال يتواصل ، لأن هناك فرق بين مسئول يفكر في استثمار الممكن إلى أبعد حد ممكن ، وعينه على أكثر من هدف تنوي ، سواء أن كان هذا الهدف بشري أو مكاني . وبين مسئول أتت به الصدفة ، لا قدرة له على الإضافة لأكثر من توفير المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية حفاظا من وجهة نظره على الأمن الغذائي ووفرة السلع بالسوق بأسعار مناسبة ، ويا ليته وفق في ذلك ، فالأسعار مع كل بارقة شمس يستعر لهيبها !!
كان بالإمكان استثمار فائض الموارد الناجمة عن تصدير النفط في التنمية البشرية والمكانية ، وسن القوانين المشجعة للمستثمر الأجنبي وللقطاع الخاص في خوض غمار الصناعات التحويلية واللوجستية .
جاءت في السابق فرص عديدة للاستثمار في القمامة من أكثر الدول تطورا في هذا المجال ، وجاءت فرصة لبناء خطوط مترو الأنفاق ، والسكك الحديدية ، لكن طلباتها بقت حبيسة العقول غير القادرة على استثمار الفرصة .
حين تتوفر هذه العقلية ، والاتفاق الجمعي بين مكونات منظومة صنع القرار ، حتما ستسيطر التونة الليبية على السوق بدلا من التونة التايلاندية والفيتنامية ، وحتما سنشرب عصائر المانجة المعلبة من إنتاج مزارع الكفرة وتازربو ، وحتما ستكون لطماطم جالو وأوجلة كلمة الفصل في المطبخ الليبي ، هذا من غير فرص العمل التي تفرضها هذه المشاريع .
هل يخرج من بيننا من يحيل هذه الأحلام الممكنة لو توفرت الإرادة إلى واقع ، أم سيبقى ” سبر ” حرق القمامة كاتما لأنفاسنا ؟