تاريخيًا أهتموا العرب والمسلمين بالصحة وتعليم الأطباء وشيدوا المستشفيات ودور للمرضى ، وخصصوا لها الأموال وأوقفوا أخصب وأغلى الأراضي للإنفاق على المستشفيات ، وتوفير الأدوية والأخلاط والأذهان من كل أصقاع الأرض ، وأستعانوا بأمهر الأطباء والمعاونين والطباخين والمساعدين ، ودفعوا لهم أعلى المداخيل ، وشيدوا في الاندلس لوحدها خمسون مستشفى بعمارة مذهلة وحدائق غناء وقنوات وجداول للماء ، وأسرة مريحة مكسوة بحرائر دمشقية ، ومزودة بقاعات للدروس وأخرى للترفيه بفرق موسيقية ، ويقدم للمرضى والعاملين أطيب الطعام ، ويُدفع للمريض أجرة فترة النقاهة لكي لا ينتكس ، وسَيروا فرق طبية حمولة خمسون جمل لكل منها ، لتجول بين المدن وتقدم الخدمات الطبية لكل الناس بإنصاف ، وبذلك حافظوا على صحة الناس وزادت انتاجيتهم ، وأنهار كل ذلك مع العصر العثماني وزاد بعد الاستعمار ..
وفي الماضي القريب الذي شهدنا بعضه ، عانت البلاد والناس من ضنك الحياة وانعدام الخدمات الصحية ، مما فقدت معظم العائلات الليبية جزء كبير من أبنائها وبناتها وعائلها نتيجة الأمراض وعدم توفر الخدمات الطبية ، إلا القليل من ما قام به المستعمر الايطالي لرعاياه ، حتى وإن استفاد منه العدد البسيط جدا من العمالة الليبية التي كان يعتمد عليها المستعمر في الأنشطة الاقتصادية ، ولأنها تقوم بكل شئ من زراعة وصناعة وخدمات في الموانئ والطرق والسكة الحديد وغيرها ، أو من خلال حملات التفتيش الصحي ومكافحة الأمراض التي كانت تقوم بها بعض الإرساليات الطبية الأجنبية عند أنتشار الاوبئة والأمراض المعدية ، ويدل على ذلك تدني المؤشرات الصحية حينها ، وأعتمد معظم السكان الليبين على الطرق التقليدية المتبعة والمتوارثة كالأحجبة والحجامة والكي والخرث والزار والأعشاب الطبية ، واستخدام بعض الحيوانات والزواحف البرية ، والكثير من الطرق والأساليب العلاجية الشائعة حينها ، ونظرا لخوف المستعمر على مصالحه واقتصاديات الجاليه مما أضطره لتدريب بعض الممرضين والمسعفين وسائقي سيارات الإسعاف لإدارة بعض المستوصفات المنتشرة في أماكن تواجد المستعمرات الزراعية الايطالية ، ومع قيام الدولة وأرتفاع الدخل القومي تم الإنفاق على البنية التحتية الصحية ، وبناء المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات بكل درجاتها ومستوياتها الخدمية وفق التصنيف المعتمد من الدولة ، وتوفرت خدمات صحية متكاملة ومتاحة لكل الناس وبالمجان ، وشيئا فشيئا وعام بعد عام زادت السعات السريرية والقدرات الاستيعابية ، وزادت أعداد الأطباء والتمريض والفنيين الليبين ، وتطورت الخدمات مواكبة للعالم ، وزاد الإنخراط في مهنة الطب والتمريض والفنيين الصحيين حتى وصلت ليبيا لتحقيق مؤشرات صحية جيدة ، رغم الإنفاق الحكومي المتواضع الذي لم يزيد عن 3% من الدخل القومي في أحسن الأحوال ، في الوقت الذي لا يجب أن يقل عن 15% ، ولذلك البلاد في حاجة ماسة لمضاعفة السعات السريرية ، وإعادة تخطيط وتخربط الخدمات وفق الزيادة الديموغرافية والتوسع الجغرافي للمدن والقرى والتجمعات السكانية ، ويستلزم مضاعفة أعداد العاملين الصحيين ، وتطوير الخدمات الصحية بما يتماشى مع التطور التقني والتكنولوجي والعلمي والبيولوجي والإداري الذي يغطي كافة الاحتياجات الصحية ، وتحقق التغطية الصحية الشاملة بالجودة العالية وبالعدالة والإنصاف ، وتحقق المحددات الاجتماعية والصحية دون الحاجة لتحويل القطاع الصحي للأعمال التجارية الغير إنسانية ، وتحويل المرضى وذويهم لزبائن خاضعين لسياسات السوق والبيع والشراء والمتاجرة والاحتكار والاحتقار ، وأي اقتصاد في الدنيا إن كان رأسمالي أو اشتراكي أو مختلط أو خطي أو دائري ، وإن أرادوه إستهلاكي مدمر أو إنتاجي معمر فكل أنواع الاقتصاد تحتاج لمجتمعات صحية بدنيا وعقليا ونفسيا ، وليس لمجتمعات ينتشر فيها الأمراض ومتهالكة وغير قادرة على العمل والإنتاج ، مما ينعكس على كل القطاعات التنموية والاقتصادية وتغرق المجتمعات في مثلث الرعب ( الفقر والمرض والتخلف ) ،
إن الوضع الاقتصادي الليبي الذي يعتمد لقرابة 100% على النفط والغاز لا يجب أن ينجر لنظريات النظم الاقتصادية والصحية القائمة على تسليع المرض والخدمات الصحية والمنهارة معظمها والادلة في العالم كثيرة ، بل يجب إعادة النظر في الإنفاق على الصحة والتعليم الطبي بالصورة الصحيحة ، والفصل بين التمويل وتقديم الخدمات ، والحماية من الامراض بدل التورط في علاجها ، والإنفاق على القيمة والنتيجة وليس على الخدمات ، وإعادة النظر في ما هو متوفر حاليًا من بنية تحتية صحية وقوى عاملة صحية لا أرى إنها مناسبة لدولة وشعب ينشد الرخاء والازدهار والصحة والرفاه ، وإن الوضع الاقتصادي الاستهلاكي الحالي سوف يفاقم من الأوضاع الصحية للمجتمع ، وتتزايد الأمراض المزمنة كالسكري والضغط وأمراض القلب والكبد والكلى والجلطات القلبية والدماغية والأورام والأمراض المناعية ، ومع زيادة الثلوث البيئي يهدد بالتعرض للأمراض الوبائية الفتاكة التي سبق وأن تم التخلص منها كليًا ، وللاسف العالم مهدد بالجوائح والأمراض المعدية ، والمعروف أنه في أسواء الأحوال عند انفاق دولار واحد على الصحة يقابله مكاسب لاتقل عن خمسة اضعاف من الناحية المالية ناهيك عن الأهم وهو الحفاظ على صحة وحياة الناس ، وزيادة متوسط الأعمار بأكثر صحة وخالية من الأمراض ، وبالتأكيد لن يتحقق ذلك والأسواق تغرق بمناشط أقتصادية ضارة بالصحة والبيئة ، والإعلانات تحاصر الناس لأطعمة ومشروبات ومطهرات ومبيدات ومساحيق ضارة ، وسلوكيات اجتماعية سلبية تدمر صحة وحياة المجتمع ، وبالتوازي دعايات على مصحات وصيدليات وأدوية ومراكز صحية ما أنزل الله بها من سلطان مخالفة للمبادئ النبيلة التي تقوم عليها مهنة الطب والخدمات الصحية ، وأي اقتصاد هذا الذي يحرص على غنى حفنة في سبيل إفقار وإمراض الملايين الذين دمرت صحتهم السلع والمنتجات الغير صحية ، والأدوية والمستلزمات المغشوشة ، والخدمات الصحية القائمة على جني الأرباح من زيادة الطلب وليس الحاجة ، والقائمة على الطلب وليس الحاجة ، والقائمة على تعدد الخدمات وليس النتيجه ، والقائمة على تضارب المصالح بين العام والخاص بدون ضوابط ولا تسعير للخدمات ، ولا تقييم للخدمات الطبية والاداء والنتائج وانعدام لمعايير الجودة والسلامة ، وكل مازاد إنهيار النظام الصحي الحكومي كل مازادت الأمراض توحش واستفحال ، وزاد الإنفاق على العلاج من الجيب ، ويتم القضاء على كل المدخرات لمعظم الليبين ، وتتدنى المؤشرات الصحية والإنتاجية للمجتمع وينهار الاقتصاد أكثر من ما هو عليه ..
الصحة ركيزة اقتصاد وتنمية الشعوب
يسرني وبكل فخر أن أتقدم بأصدق آيات التهاني والتبريكات لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية بمناسبة…
د.علي المبروك أبوقرين للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ،…
د.علي المبروك أبوقرينقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 ديسيمبر 2007 على أن يكون 14…
في حلقة جديدة من برنامج كلام الناس 22 سلطت الضوء على أسباب سيطرة المنتجات المستوردة…
د.علي المبروك أبوقرين في نهاية الأربعينات وقبل إستقلال البلاد بمدة بسيطة , وفي ضواحى طرابلس…
د.علي المبروك أبوقرين الأعداء المتربصين بالوطن لهم أهدافهم الواضحة ، ويسعوا جاهدين لتحقيقها ، مستخدمين…