التصنيفات: كتاب الرائ

الإنصاف في الحصول على الدواء

د. علي المبروك أبوقرين

طرح المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية في اجتماعه الإقليمي لهذا العام عدة مبادرات، ومنها الحصول المنصف والعادل على المنتجات الصيدلانية والطبية، وكل الدساتير والقوانين نصت على ضرورة وأهمية الوصول العادل والمستمر للدواء واللقاح والمنتجات الطبية،

وليبيا احدى دول هذا الاقليم الذي يضم معظم الدول العربية والذي منه بزغت الحضارة الإنسانية  وعلم الأدوية والكيمياء والطب ، وعرفت البشرية النباتات الطبية والعلاجات العشبية وأنواعها وكيفية إستخراج الأدوية الفعالة  منها ، وعرف العالم الصيدلة ومهنة الصيادلة والصناعات الصيدلانية والصيدليات بفضل العلماء العرب والمسلمين الذين أسسوا كل هذه العلوم ، وانشأوا أول الصيدليات وأول المستشفيات وأول جدول صيدلاني الذي استخدام مرجعًا ونموذجًا لإصدار دستور أدوية لندن الأول ، وشهد الإقليم إنشاء أول المدارس والكليات للصيدلة على امتداد الاقليم في بلاد فارس والعرب ،

وليبيا عرفت اول صيدلية بالسرايا الحمراء عام 1551 على نمط صيدلية الرازي (الطب للأطباء والصيدلة للصيادلة والمرضى المثقلين للمستشفى).

سميت دار الدواء ثم دار الأدوية ثم أصبحت تسمى أجزخانة تحضر فيها الأدوية محليًا وتستورد العناصر المكونة لها من أوروبا ، ويجتمع فيها أهل الطب والصيدلة والمسؤولين على شؤون حياة الناس بالايالة ، وبعد عام 1853 تأسست صيدليات اخرى وفي 1907 تم تأسيس صيدلية حديثة بجوار البلدية يتوفر فيها الأدوية المستوردة والمحلية وكانت توجد صيدلية خاصة بسوق الترك ، وكانت قد سمحت السلطات العثمانية لبعض العطارين من باعة الأدوية العشبية المشهود لهم بالكفاءة والمهنية من مزاولة النشاط وفق الضوابط المنصوص عليها والالتزام بعدم بيع وتصنيع أي مواد سامة أو مخدرة التي تدخل في تركيب الأدوية ويقتصر ذلك على الصيدليات فقط بناء على تراخيص وبوصفة طبية معتمدة ، وانتشرت الصيدليات مع الاستعمار الايطالي في داخل مستعمراته السكانية أو بالمستشفيات البسيطة التي انشاءها ، وبعد الاستقلال صدرت مجموعة قوانين تنضم العمل الصيدلاني وتجارة الأدوية والتوكيلات التجارية وتمت عليها تعديلات في اعوام 62 , 65 , 68 ,وصدر قانون رقم 69 لسنة 1970 في شأن تنظيم تجارة الأدوية ، ثم قرار اللجنة الشعبية العامة في 1987 بشأن انشاء شركة لاستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية ، وكانت في العهدين لا تدخل للبلاد الا الأدوية المعروفة عالميًا ومن الشركات الأوروبية  الكبرى والمعتمدة ، وتعددت بعدها القرارات والتعديلات على هيكلية الصحة وادارات الصيدلة والامداد الطبي ومن بعدها  التصنيع الدوائي الذي بداء وتوقف نهائيًا  في العقد الماضي ، وفي تلك المسيرة المستمرة إلى يومنا هذا بعيوبها التي تتسع حدثت انحرافات خطيرة اثرت على إستمرارية توريد الأدوية  والمستلزمات والمعدات الطبية من الشركات العالمية الكبرى المعتمدة ، وعمت الفوضى والعبث في تجارة الأدوية لليبيا , وغرقت البلاد بالأدوية والمستلزمات الطبية المغشوشة والمزورة ، ونشطت عمليات التهريب بشتى انواعه من تجار الشنطة لتجار الاعتمادات ، ومن دول لا سابق لها بصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية ، وزاد ذلك التشوه والعوار الخطير في الكم الكبير من الموزعين والوكلاء لأي شئ ، دون ضوابط صارمة حتى وصل الحال إلى أن أصبحت الأسواق بها مجمعات تجارية لبيع الأدوية بالجملة في مخازن ومنافذ للبيع ابعد ما تكون للأدوية والمستلزمات الطبية ، وتشكل خطورة على الأدوية في حال كانت مطابقة للمواصفات العالمية وغالبًا ما تكون مخالفة لذلك ، وفي الحالتين لن تكون صالحة للاستعمال وضارة بصحة وحياة الناس ، والصيدليات حدث ولا حرج ، وتجربة الكورونا كانت سيئة وكارثية ومؤسفة جدا ، وما تعانيه البلاد من نقص حاد في الأدوية العامة والتخصصية وتزامن مع إنهيار الخدمات بمرافق الرعاية الصحية الأولية ، وبالقطاع الاستشفائي بمعظم المستشفيات والمراكز الطبية العلاجية والتي أصبحت بعضها مصدر للارتزاق واجبار المرضى على شراء بعض المستلزمات من جهات معينة ، مع انتشار النشاط الاقتصادي الطبي الخاص العشوائي ، وعدم القدرة على ضبط الحدود والمنافذ زاد التسرب والتهريب من العام لغيره داخليًا وخارجيًا ، ونشطت عمليات التجارة في الأدوية المغشوشة والمهربة والمصنعة بالمخالفة والتزوير محليًا ودوليا ، وليبيا دولة غنية بالقياس مع غيرها وعدد سكانها بسيط ، وتأمين العلاجات اللازمة والمستلزمات والمعدات الطبية من مصادرها الأصلية لكل الناس وبكل الأماكن وهذا ما يجب أن يكون ، ولكن للأسف لن يكون في ظل الفوضى الموجودة ، وهيكلية القطاع الصحي الحالية ( مسؤولة عن كل شيء ولا تملك أي شيء ) وسلاسل الإمداد المفتوحة والمفتتة والمنفلتة ، وتضارب في المصالح الذي تمنعه القوانين والأعراف والأخلاق ، في غياب احتكار الدولة وقصور الرقابة ، وغياب الإمكانيات المعملية المتقدمة لكشف التزوير والغش الدوائي ، وغياب برامج التتبع ، وتهالك مخازن الأدوية ووسائل النقل المخصصة والحالة السيئة لمخازن الأدوية  بالمرافق الصحية ، وانعدام تطبيق القوانين والانظمة واللوائح المعمول بها والمتوفرة بادراج جميع الدوائر الحكومية ، ولذلك دون آن تسارع الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقانونية والرقابية في تصويب الأمور ، سوف تكون كل وصفة طبية مُمرِضة وُمفلِسَة وقاتلة في معظم الأحيان بالذات للغلابة والفقراء ، ولهذا يجب أتخاذ مايلزم من إجراءات صارمة لمراجعة قوانين الصحة وتجارة الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية والاحتكار والقوانين التجارية ، والقوانين والسياسات الاقتصادية وقوانين العمل لمنع الجمع بين الخاص والعام في التجارة والخدمات ، ووضع الضوابط وتشديد العقوبات على كل من يعرض صحة وحياة الناس للخطر ، الدولة الليبية قادرة أن تؤمن أفضل الأدوية من كبرى الشركات العالمية ومن مصانعها الأصلية الرئيسية وليس من المصانع المنتشرة في دول اخرى خصيصا لدول العالم الثالث والمنتشر بها الفساد ، وليبيا قادرة على تصنيع الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية بالتعاون مع الشركات الكبرى ، وليبيا ليست في حاجة لإستجداء حصتها من الدواء والتطعيمات ، وليست في حاجة للصدقات والهبات ، والاستمرار بهذه الأوضاع هدر للأموال واستنزاف لمدخرات المواطنين ، وخطر على صحة وحياة الناس وتمييز صارخ مشمئز بين الناس ، ..

الدواء حق أصيل، والعدالة والإنصاف والمساواة بين الليبين في العلاج والخدمات الصحية واجبة واجبة ، وسلطة الدولة الضمان الوحيد لجودة وآمان وسلامة وفعالية العلاجات ….

      . حفظ الله بلادنا وامتنا

منشور له صلة

الدكتور بوقرين يهني المغرب بنجاح أول عملية جراحية روبورتية

يسرني وبكل فخر أن أتقدم بأصدق آيات التهاني والتبريكات لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية بمناسبة…

يومين منذ

صلاح البلاد في إصلاح التعليم.

د.علي المبروك أبوقرين للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ،…

3 أيام منذ

اليوم العالمي للسكري

د.علي المبروك أبوقرينقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 ديسيمبر 2007 على أن يكون 14…

6 أيام منذ

كلام الناس يكشف أسباب استيراد السلع من الخارج وإهمال المنتجات الوطنية!

في حلقة جديدة من برنامج كلام الناس 22 سلطت الضوء على أسباب سيطرة المنتجات المستوردة…

6 أيام منذ

فاكانيتي والوباء والتطعيم

د.علي المبروك أبوقرين في نهاية الأربعينات وقبل إستقلال البلاد بمدة بسيطة , وفي ضواحى طرابلس…

أسبوع واحد منذ

ليست بالحروب وحدها تدمر الأوطان

د.علي المبروك أبوقرين الأعداء المتربصين بالوطن لهم أهدافهم الواضحة ، ويسعوا جاهدين لتحقيقها ، مستخدمين…

أسبوعين منذ