كتاب الرائ

التانوية العامة !

د.علي المبروك أبوقرين

عُرفت شهادة التانوية العامة منذ عقود أنها الشهادة المفصلية في حياة الأجيال المتعاقبة ، وبها يتحدد الاتجاه الذي تسلكه في تحقيق مستقبلها وطبيعة العمل والتخصص الذي ترغب ، ومنهم من اجتهد ووفق ونال أعلى الترتيبات ، وأتيحت لهم الفرص لدخول ما ارادوا من كليات علمية وأدبية ، وصارت أحلامهم حقيقةً في الانتساب لكليات طالما راودتهم رغباتهم إليها ، ومنهم من فرضت عليه التانوية العامة ومعدلاتها اتجاهات مغايرة ، وطيلة تلك العقود وإلى يومنا هذا والتانوية العامة كابوس يؤرق الطلبة والطالبات والأهل والأسرة والأقارب ، ويفترض كذلك الدولة والمؤسسات التعليمية وجهات الاختصاص المنوطة بالتخطيط والعمل والتعليم والبحث العلمي ، والمؤسسات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وفي الوقت الذي نزف فيه أصدق ايات التهاني والتبريكات لكل الناجحين في التانوية العامة لهذا العام مع تمنياتنا لهم بالتوفيق في استكمال مسيرة حياتهم واختياراتهم لشتى انواع التخصصات المهنية التي تنهض بمستقبلهم ومستقبل الوطن والأمة أجمع ، والتساؤلات التي تفرض نفسها في هذا المقام والعالم يتغير بسرعة ونتيجة النجاح لهذا العام أقل من 50% ، ونسب النجاح والرسوب والامتحانات جانب اخر يحتاج لوقفة جادة من الجميع ، وهل الجامعات الليبية في جاهزية تامة لاستقبال الأجيال الجديدة المتحمسة لمرحلة جديدة لصقل المواهب وتكوين المنتج البشري المتشبع بالعلوم والمعارف الحديثة التي تجعله قادرا على صناعة المستقبل الحضاري للأمة ، والنهوض بالبلاد في كافة المجالات العلمية والعملية والثقافية ، والعملية التعليمية في العالم تتطور بشكل كبير ومغاير وتتماشى مع التغيرات الجوهرية الحياتية والثورات العلمية المتلاحقة في التقنية والتكنولوجيا والمعلومات واستخداماتها المختلفة في خدمة الحضارة البشرية ، ولا أعتقد أن البنية التحتية التعليمية والمناهج وطرق واليات وأساليب التدريس في ليبيا تلبي متطلبات العصر الحديث والتوجه نحو التنمية البشرية الحقيقية وقادرة على مسابقة الزمن والتطور الذي يشهده ألعالم ، ولا أضن أن الجهات المعنية والمسؤولة لديها الإستراتيجيات والخطط والبرامج التنموية التي تحدد هوية الاقتصاد الوطني والاحتياجات الفعلية للطاقات البشرية في المجالات المختلفة وتخصصاتها وكفاءتها وقدراتها ،
وهذا يتطلب إعادة النظر في العملية التعليمية ككل وفكرة التانوية العامة والتوجه الإجباري او الاختياري لبناء مستقبل الاجيال الجديدة ،
والتعليم الجامعي وما يشابهه ودور الجامعات والمعاهد العليا وما في حكمهم في خدمة المجتمع وتطوير البحوث والدراسات والتعليم الذي الذي يؤسس للمعارف الحقيقية والكفاءات القادرة على استخدامها وتطويعها وتطويرها ، والمنافسة مع العالم المتقدم في بناء الحضارات الإنسانية ، وتلبية الاحتياجات الفعلية من القوى البشرية الوطنية المؤهلة ، وليبيا دولة شابة وقادرة اقتصاديًا على أن تكون في صدارة الأمم والشعوب المتقدمة علميًا وتساهم في بناءً الحضارة الانسانية العلمية ، وليبيا حققت في الماضي نجاحات كبيرة ومتميزة في بناءً الآنسان والتحول من الامية التامة والجهل والفقر إلى التعلم وارتفاع مستوى المعيشة وبناء القدرات الوطنية في مجالات مختلفة ، وحققت مؤشرات تنموية مهمة ، ولذلك علي الدولة أن تهتم بالتعليم والتدريب والتنمية البشرية وأن تسارع في تطوير المؤسسات التعليمية في كافة ربوع البلاد بإنصاف وعدالة والتماهي مع ألعالم المتقدم وأن ترتقي بالخدمات التعليمية والتربوية في البنية التحتية والمناهج والكوادر التعليمية ، والتركيز على التحصيل العلمي لتنمية المعارف والمهارات وتطوير العقول البشرية .بلادنا في حاجة ماسة لمركبات تعليمية حديثة متكاملة ومتطورة ، ومواصفات ومعايير حقيقية عالمية متميزة في كل المنظومة التعليمية ، وفي حاجة لترسيخ سياسات وقواعد لبناء هوية اقتصادية انتاجية وعلمية بحثية ، والابتعاد عن الاقتصاد الاستهلاكي المدمر للشعوب والاوطان .
ولا وألف لا لتسليع التعليم لمن أراد للوطن والأمة خير وازدهار ونماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى