التصنيفات: كتاب الرائ

التغطية الصحية الشاملة!

د.علي المبروك أبوقرين

التغطية الصحية الشاملة هي حصول جميع السكان على الخدمات الصحية بجودة عالية متى وأينما احتاجوا لها دون أي تأخير أو إبطاء ، ودون أن ترهق المواطن المسافات أو التكاليف أو الوقت ، والكثير من دول العالم تسعى لتحقيق التغطية الصحية الشاملة كهدف من أهداف التنمية المستدامة 2030 ، والواقع المرير أن هذا الهدف النبيل يصعب تحقيقه في أكثر من 92% من دول العالم الذي يعاني أكثر من 5 مليار نسمة من عدم الحصول على الخدمات الصحية الأساسية ، ومعظم سكان العالم ترهقهم تكاليف العلاج المدفوعة من الجيب الذي أدى لتحول معظم الناس لطبقات الفقر المدقع ، والعالم يعاني من عدم الإنصاف والعدالة والمساواة بين دول العالم الذي تستحوذ فيه 8% على الخدمات الصحية الاستباقية والوقائية والرعاية الاساسية والعلاجية والتأهيلية والأدوية الحديثة واللقاحات بجميع أصنافها و 10% من هذه الدول ميزانية القطاع الصحي بها تساوي ماينفقه 90% من دول ألعالم على الصحة ، وفي داخل البلدان الغنية والفقيرة تفتقر للإنصاف في الخدمات الصحية ، وليبيا مرت بإنعدام الخدمات الصحية الأساسية إلى سبعينات القرن الماضي ، وجيلي وما قبله من أجيال والجيل الذي بعده جميع الولادات كانت في البيوت بالفطرة ، وبدون آي إشراف أو متابعة طبية أو شبه طبية عدا القابلات التقليديات ، ولم تكن هناك أي خدمات صحية للحوامل والمواليد واي نوع آخر من الخدمات الصحية ، عدا بعض المستوصفات البسيطة يديرها ممرضين محلين لتغطية بعض الخدمات الصحية البسيطة ، وأعتمد غالبية السكان على العلاجات التقليدية أو الحملات الطبية التي كان يقوم بها المستعمر ، أو بعض المنظمات الدولية المختصة ، وكان هذا يحدث في الفاشيات للتطهير والتلقيح ، واحالة الحالات المرضية الشديدة للمستشفيات القليلة جدا على ندرتها ، وكان معظم الناس تخفي حالاتهم للخوف من احالتهم للمستشفيات لأنه يصعب على الأهل زيارتهم ومتابعتهم والاطمئنان عليهم للبعد والفقر وعدم القدرة ، وبلدية المدينة التي بها المستشفى كانت تتولى الدفن لمعظم حالات الوفيات ، والمؤشرات الصحية كانت سيئة جدا إلى بداية السبعينات من القرن الماضي ، وتحسنت الخدمات الصحية بعد التوسع في بناء المرافق الصحية بجميع المدن والقرى ، وغطت جغرافيا كل البلاد ووصلت لجميع الناس في السهول والجبال واينما وجد السكان ، وظل هناك تمييز في الخدمات بين المدن وبعضها وبينها وبين القرى وبين الساحل والدواخل ، مع ان فترة الثمانينات والتسعينات استعانت البلاد بالالاف من الأطباء والتمريض والفنيين من دول العالم وكان هناك نظام احالة جيد ، وجهاز اسعاف يغطي البلاد ، وكان يتم علاج المرضى بالمجان في الداخل بمستشفيات حديثة ومتطورة وفي الخارج على نفقة الدولة بمستشفيات أوروبية جامعية متقدمة ولا يتكفل المريض اي تكاليف بما فيها الانتقال والاقامة ، ولم يكن المجتمع في حاجة للخاص ولا لتسليع الخدمات وماكان يحصل عليه المواطن من خدمات صحية إنسانية بالمستوصفات والمراكز الطبية والمجمعات الصحية بالمجان افضل مليون مرة من خدمات الخاص التجارية السيئة ، والأدوية المغشوشة والمقلدة ، ولم يكن المجتمع في حاجة للتامين الطبي سئ السمعة اسواء نظام تمويلي عرفته البشرية ، وليبيا دولة ريعية يمولها النفط والغاز ولا احد غيرهم وليست في حاجة الى سياسات العولمة والسوق الحر ونظريات الاقتصاد المشوه وتحويل المرض لسلعة والصحة لمشروع اقتصادي يتربح منه الحذاق ، وللأسف ليبيا الان أبعد ما يكون عن تحقيق التغطية الصحية الشاملة ، وعادت بعض المدن والقرى لعهود سابقة لا تتوفر بها خدمات صحية حتى الاساسية منها ، والمرافق الصحية بها لا تعمل والكوادر غير مؤهلة لتدني التعليم الطبي وانعدام التدريب السريري ، وتحول معظم العاملين الصحيين للخاص الذي تكدس بالمدن الكبرى دون جدوى ولا عائد يرجى غير أنه أفرغ الجيوب وقضى على المدخرات وانهى تمامًا تحسين مستوى المعيشة والحياة في بيئات معيشية صحية ، وزاده الاقتصاد الاستهلاكي الممرض الذي اغرق الأسواق بالسلع الفاسدة والمغشوشة والضارة بصحة وحياة الناس ، وبيئات سكن وعمل ومعيشة ملوثة ممرضة ، في الوقت الذي تتجه فيه بعض دول العالم المتقدم لتحقيق تغطية صحية شاملة عادلة منصفة تمنع الأمراض بالخدمات الاستباقية والوقائية وتقدم الخدمات الصحية بحزم متكاملة ترتكز على الفرد لتعزيز الصحة وتحسينها ، وتضمن سلامة الماء والغذاء والهواء والدواء وسلامة الابدان والعقول والأنفس وبهجة الأرواح ، تحصن الامة والبلاد من الأوبئة والأمراض المعدية وتكافح الأمراض المزمنة والمستعصية وتقللها وتعالجها بامكانيات عالية الجودة في بنية تحتية صحية وكوادر بشرية مؤهلة تاهيل وتدريب عالي المستوى ، في متناول الجميع دون تمييز أو تفرقة بين أفراد المجتمع نفس الخدمات بنفس المستوى عند كل الناس في جميع الأماكن بمظلة نظام صحي قوي وفعال ومنصف ، قائم على أسس وقواعد علمية سليمة ، ومحصن بتشريعات وقوانين ولوائح تحمي حقوق المواطنين والعاملين الصحيين وتحمي المرافق وتنهض بها ، وترفع من شأن الكوادر علميًا ومهنيًا وماديًا ومعنويًا ، شريطة أن يكونوا جميعا نتاج نظام تعليم وتدريب طبي وتمريضي وفني وإداري عالي المستوى والجودة ، بمرافق تعليمية طبية متكاملة ، محققة المعايير الدولية لمتطلبات البنية التحتية التى توفر التعليم والتدريب الطبي التفاعلي والتقني والبحثي ، والتدريب السريري المتكامل بمستشفيات جامعية عالية التأسيس والتأهيل والتدريب ، يقوم عليها إداريًا وطبيًا وفنيًا هياكل ونظم ومناهج وكوادر وطرق وأساليب تنطبق عليهم الشروط والمعايير والمواصفات المطلوبة للمرافق الصحية التعليمية عالميا ، تضمن أن لا أحد له شأن بصحة وحياة الناس إلا وكان مؤهل علميًا ومهنيًا وسلوكيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا ، ( وللأسف لا يوجد هذا في ليبيا أبدآ ) .
ليبيا كغيرها من دول العالم معرضة لتحديات وتهديدات صحية خطيرة جدا والعالم مهدد بموجات من الفاشيات وعودة لأمراض فتاكة واخرى مستحدثة ، والتغيرات المناخية والبيئية وعدم الاستقرار يضاعف من التهديدات وآثارها على صحة وحياة الناس ، وعلى الدولة سرعة النهوض بالقطاع الصحي وإعادة هيكلة النظام الصحي لجعله موحد وقوي وفعال ومنصف ، وقائم على القيمة والقيم الانسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية ، يعزز نبل المهن الصحية وصدقها وإخلاصها وإنسانيتها وجديتها وحفظها لصحة وحياة وكرامة الناس ولا يجعلها عكس ذلك أو يسلعها
إن التغطية الصحية الشاملة هدف سامي ، وليبيا من الدول التي يجب ان تحققه لما تتمتع به من إمكانيات هائلة ، وتعداد بسيط وبنية تحتية صحية معقولة ، تحتاج للتطوير بما يتناسب مع متطلبات العصر والتكنولوجيا الحديثة والتوزيع الديموغرافي ، مع ضرورة الفصل التام بين العمل الطبي العام والخاص ومع كامل سلطة الدولة على الإمداد الطبي ، والقضاء على كل التجاوزات التي تحدث في توريد وتخزين وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية ، وضرورة احتكار الدولة لبرامج مكافحة الأمراض والأوبئة والتحصينات ، وعلاج الأمراض المستعصية ،
التغطية الصحية الشاملة حق أصيل للأمة والأجيال القادمة والتنمية ..

منشور له صلة

تغيرات المناخ والطقس وآثارهم .

د.علي المبروك أبوقرين إن التغيرات المناخية والبيئية لها تأثيراتها السلبية على حياة الناس وممتلكاتهم وعلى…

40 دقيقة منذ

البنك المركزي والصحة!

د.علي المبروك ابوقرين إن السياسات النقدية وتحديد سعر الصرف وتوفير العملات الأجنبية ، وفتح الاعتمادات…

أسبوعين منذ

الجدري !

د. على أبوقرين أعلنت منظمة الصحة العالمية الطواريء الصحية لتفشي جدري القرود في بعض الدول…

شهر واحد منذ

مصرف الجمهورية يعلن عن خدمة سريعة وآمنة لتحويل الاموال

استمتع بتجربة سلسة وسريعة وآمنة عند تحويل أموالك إلى أي حساب مصرفي تجاري آخر دون…

شهر واحد منذ

الهجرة والصحة !

د.علي المبروك أبوقرين الهجرة واللجوء والنزوح ديناميكية مستمرة في تاريخ البشرية للهروب من الفقر والحروب…

شهر واحد منذ

التانوية العامة !

د.علي المبروك أبوقرين عُرفت شهادة التانوية العامة منذ عقود أنها الشهادة المفصلية في حياة الأجيال…

شهر واحد منذ