التوظيف الصحي للرعاية الأمنة
إن تأمين القوى العاملة الصحية الكافية والكفؤة لأجل تحقيق أهداف الصحة لأي بلد أحد أهم التحديات التي تواجه النظم الصحية ، وليبيا كغيرها من البلدان مرت في عهود الاستعمار وما قبل النفط بشح في الموارد وإنعدام للخدمات الصحية وتدني التعليم .والرعاية الصحية تحتاج لبنى تحتية متكاملة وقوى عاملة صحية مؤهلة وهذا يحتاج للوقت والموارد المالية المستمرة ، وحصلت طفرة كبيرة جدا في بناء المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية ، ومدارس التمريض والمعاهد الصحية وكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان والتمريض والتقنية الطبية ، وأنتشرت في كل المدن والقرى ، وتحققت للبلاد مؤشرات متقدمة في عدد الاسرة الذي تخطى 24.000 سرير متوزعين بين المجمعات الصحية والمستشفيات القروية والمستشفيات العامة والجامعية ، وزاد الإقبال على التمريض بعد العزوف الذي استمر لعهود طويلة بالذات في العنصر النسائي بسبب عدم توفر التعليم ، والنظرة الاجتماعية حينها والوصمة ، وبعد التوسع في التعليم ومع زيادة الوعي المجتمعي والثقافة تغيرت النظرة السلبية وتحولت لنظرة ايجابية ، ودعم لمهنة التمريض والتطلع الاجتماعي للمهن الإنسانية النبيلة ، والمعروف أنه يسهل بناء المستشفيات طالما توفرت الإمكانيات ، ولكن التكوين البشري يحتاج للوقت والجهد ، ولهذا استعانت الدولة لفترة طويلة بالعناصر الأجنبية من الأطباء والتمريض والفنيين ، وفي البداية وللحاجة الماسة وظفت الدولة كل من له الرغبة والقدرة على العمل في قطاع التمريض دون الإلزام بالمستوى الدراسي ولا العمر ، والطب حينها يفتقد للكثير من التقنيات والتكنولوجيا المتوفرة حاليًا ، وكان من المفروض أن تطبق معايير التعليم والتدريب السريري لمهنة التمريض والفنيين الصحيين ، وكان على الجهات المسؤولة والمختصة أن تتمسك بسياسات وإستراتيجيات محددة لترفيع مستويات التعليم والتدريب ، والتحول من المستويات المتوسطة التي أساسها التعليم الأساسي إلى المستويات الأعلى والجامعي ، وأن تتغير مواصفات ومعايير المعاهد العليا وكليات الفنيين الصحيين والتمريض ، التي يجب الحاقها بمستشفيات متطورة للمحاكاة ومستشفيات تعليمية متكاملة مثلها مثل كليات الطب ، لتخريج دفعات متتالية من كوادر بشرية مؤهلة تاهيلا عاليا بالعلوم والمعرفة والمهارات ، وعالميًا تتفاوت نسب التمريض والأطباء والفنيين الصحيين بالنسبة لعدد السكان وبالنسبة لبعضهم البعض ولا توجد معايير أو مقاييس مثالية لكفاية القوى العاملة الصحية لتلبية احتياجات الرعاية الصحية ، وإنما منظمة الصحة العالمية حددت الحد الأدنى الذي دونه تفشل النظم الصحية في تحقيق أهدافها ، لأن هنآك علاقة بين نسبة التمريض والأطباء وغيرهم من مهن صحية والمرضى ، لتحقيق نتائج صحية أفضل ، وتجنيب المضاعفات والعدوى والاخطاء الطبية والوفيات ، وتجنيب العاملين الصحيين الإرهاق الذي يؤدي للتوتر والقلق وعدم التركيز في العمل الذي ينعكس على جودة الخدمات الصحية ورضا المرضى وذويهم ، والأعداد والنسب تتفاوت بين دول العالم المتقدم علميًا واقتصاديًا وبين غيرهم من الدول متوسطة وضعيفة الدخل ، حيث نجد بعض البلدان لا يزيد التمريض فيها عن 1/ 1000 نسمة والأطباء أقل بكثير من ذلك ، ودول أخرى يتعدى فيها التمريض المؤهل تأهيل وتدريب عالي لأكثر من 17/ 1000 نسمة وفي المتوسط لا يقل عن من 7 الى 9 /1000 نسمة ، وهكذا في أعداد الأطباء وتكوينهم حيث يتعدى في بعض الدول 6 /1000نسمة وينطبق على باقي التخصصات والمهن الصحية وحتى الإدارية والمهن المساعدة تخضع للتكوين الوظيفي الذي يقوم بالخدمات الصحية المباشرة والغير مباشرةً ، ولكل منها مواصفاتها وملاكها وطبيعة عملها مفصلة وقياس ادائها الذي تحكمه المعايير المهنية والإنتاجية ، وجميعها تخضع للتعليم والتدريب المستمر لتطوير الاداء الوظيفي والفني والاداري والمالي والإنتاجي ، الذي يدعم قوة النظم الصحية ، وفي ليبيا أعداد بسيطة من المعاهد العليا وكليات التمريض لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، ولا تتبع أي منهم فنيًا واداريا لإي مستشفى تعليمي ، ولعدم وجود مستشفيات تعليمية بالمفهوم العلمي للتعليم الطبي والتدريب السريري ، وللأسف تتوزع في ربوع البلاد أكثر من 20 كلية طب مع توفر غيرها من كليات الصيدلة وطب الأسنان وكليات التقنية الطبية ، التي لا يتبع أي منها مستشفى محاكاة متطور أو مستشفى تعليمي كما يجب ان يكون ، وإذا بالفعل لدينا 20 كلية طب وملحقة بمستشفيات تعليمية ومراكز بحثية متخصصة في علوم الطب والصحة العامة لكان العالم كله يأتي للدراسة والعلاج ببلادنا وليس العكس كما هو الحال ، مع العلم أن إجمالي الأطباء والتمريض والاسنان والقابلات هو 136.342 , منهم 53.186 تمريض و 1.464 قابلات ، 33.081 فنيين , و 22.059 أطباء منهم 3.343 أخصائيين ، وللأسف التمريض معظمهم مسعفين خريجين دورات ربات البيوت أو تمريض معاهد متوسطة تفتقد لأدنى الشروط ، ناهيك عن المناهج وأعضاء التدريس وإمكانيات التدريب العملي السريري ، ولا وجود للتصنيف العلمي والمهني بالمعايير الدولية للمهن الصحية ، وزاد من الطين بلة أن معظم القوى العاملة الصحية تتجه للعمل الخاص ، وتجمع بين العام والخاص وما لذلك من انعكاسات سلبية وسيئة على الخدمات الصحية بجميع مستويات النظام الصحي ، إن القوى العاملة الصحية هي العمود الفقري الذي يبنى عليه النظام الصحي ليؤدي مهامه ويحقق أهدافه ، دون إعادة النظر في منظومة التعليم والتدريب الطبي سوف لن يكون للبلاد نظام صحي يحمي الوطن والامة من الأمراض ويعالج الأمراض بقدرات وكفاءات عالية ، وبالتالي تتدنى المؤشرات الصحية وتتقلص معدلات العمر ، وتزداد المضاعفات والأخطاء الطبية والوفيات ، وتزداد معدلات الأمراض المزمنة والمعدية ، ولذا نرجوا أن تتوسع الدولة في التعليم الطبي المتميز والمتقدم وفق المعايير والشروط الدولية ، ومنع المتاجرة فيه وتسليعه ، وضرورة مواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية الطبية والعالم مقبل على مستقبل قريب مختلف من حيث النظم الصحية وتحقيق التنمية المستدامة والتغطية الصحية الشاملة والتركيز على صحة الفرد بخدمات خصوصية ورقابة صحية مصاحبة ، والتعويل على النتائج العلاجية المسبقة والخدمات الصحية الإنسانية القائمة على القيمة وليس على التكلفة مهما كانت ،
الواقع لا يترجم حقيقةً ما يجب أن يكون ، وضرورة التغيير للأفضل إذا هناك رغبة في تطوير النظام الصحي. ..
د.علي المبروك أبوقرين