كتاب الرائ

الجنون والإبداع 4-4  –

محمد ابوالقاسم الككلي -

الجنون والإبداع 4-4 –

محمد ابوالقاسم الككلي –
مجلة عالم المعرفة في مجلدها الثامن عشر العدد الأول مايو -يونيو 1987 م خصصته للحديث عن (الجنون في الأدب )’
العنوان كان موضوع دراسة اعدتها رشا حمود الصباح أشارت فيها إلى الجنون كان فيما سبق قاصرا على المجال الأدبي، أو على مجال الحكم والأقوال المأثورة، أما اليوم فها هو قد أضحى أحد اهتمامات الفلسفة الرئيسة ‘فما من شك أنه ليس مصادفة أن يطغى الجنون على شخصية بارزة مثل نيتشه، فيغزوه فيلسوفا وانسانا، ولاشك أن تأثير نيتشه كونه شخصية اجتمع فيها الفيلسوف مع الشاعر والمجنون – قد لعب دورا بارزا في تكثيف الاهتمام بالجنون، كما لعب الدور نفسه في التقارب بين الفلسفة والأدب، وهو التقارب الذي يتزايد في الوقت الحالى يوما بعد الآخر ‘
وتضيف رشا حمود القول :أن جنون نيتشه يقف أمام العالم اليوم كدعوة وتحذير – في آن معا – على أنه ذلك الخطر الذي بنى عليه شرط إمكانية وجود هذا العالم، واذا ما تأملنا المغزى الذي يرمي إليه جنون نيتشه وجدناه يحمل معنى الدعوة إلى مراجعة تاريخ الثقافة الأوروبية برمته وجعله موضع شك ومسألة ‘
يذكر أن الفيلسوف والمفكر الفرنسي ميشيل فوكو اعد دراسة قيمة تحت عنوان (الجنون والهذيان :تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي ) كان هدف فوكو هو التصدي للفكرة القائلة بأن الانثربولوجيا والفلسفة وعلم النفس والطب العقلي علوم تقوم على سوء فهم جوهري لظاهرة الجنون، وعلى تعمد إساءة لغته ‘فقد ظهر تاريخ الثقافة الغربية كما لو كان قصة تحكي ما انجزه العقل من فتوحات متلاحقة، وما استتبع ذلك من تراجع وكف لما أسماه هذا التاريخ بالجنون، ونقطة التحول في هذا التاريخ وفقا لما يراه فوكو إنما تكمن في ظهور فكرة الشك الديكارتي، ذلك أن ديكارت في تامله الأول، يطرد الجنون خارج الثقافة، ويجرده من لغته، وينزل به إلى مستوى الصمت ‘وفي مستهل بحثه عن الحقيقة، يواجه ديكارت هذه الظاهرة – أي امكان الجنون – من خلال شكه المنهجي، فيتطرق في أول الأمر إلى الحواس باعتبارها أساس للمعرفة ‘غير أن ديكارت في هذه المرحلة الأولية من هذا المنهج، يرى أن ما تنقله الحواس من يقينيات أكثر قربا منا وأكثر وضوحا لنا أمور لا تخضع للشك :ذلك أن إلقاء الشك على ما هو بدهي تماما انما يعد ضربا من الجنون ‘ويتساءل ديكارت : (كيف لي ان اشك بأني هنا، اجلس الى جوار المدفاة، وارتدي حلة نومي، وامسك الصحيفة بين يدي، كما امسك بأشياء أخرى غيرها )؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button