الحالارت المرضية المتأخرة
للأسف لوحظ أن معظم الحالات المرضية إن كانت السكري أو الضغط وأمراض القلب وأمراض الجهاز الهضمي والأعصاب والأورام والقصور في وظائف الاعضاء والأمراض المناعية المتعددة والأمراض النفسية والأمراض النادرة التي تعد بالآلاف والتي يصعب تشخيصها ويندر علاجها وغيرها من الأمراض يتم اكتشافها متأخر ، وفي معظمها تكون في مراحل تقل فيها فرص العلاج والتعافي ، ويضطر المرضى وذويهم للسفر لبلدان تجربتها في علاج الأمراض المتقدمة بسيطة وامكانياتها في التشخيص والعلاج محدودة ومع هذا للأسف مكلفة جدا على المرضى وأسرهم ، وهذا يرجع لعدة أسباب ومنها
الأمية الصحية ونقص الوعي والثقافة الصحية المنعدمة ، وانهيار النظام الصحي بغياب منظومة الخدمات الصحية الاستباقية التي تصنف الناس من حيث استعدادها للمرض ونوعية الأمراض ووقايتها منها ، ومنع معظم الأمراض التي بالإمكان تجنبها وهي كثيرة، وغياب الرعاية الصحية الأولية المسؤولة عن كل فرد في كل ما يخص صحته وحياته ونمط معيشته ، ومسؤولية تامة عن الأجيال قبل أن تحمل بهم أمهاتهم ومتابعتهم في بطون أمهاتهم ومن اللحظة الأولى من مولدهم حتى وفاتهم بعد عمر طويل ، والتلوث الذي طال الهواء والماء والغذاء ، والأمراض التي تنوعت وزادت في الحيوانات وتشكل خطورة على الانسان لذلك زادت الأمراض وتنوعت واستشرت بين الناس ، وزادت الأزمة تعقيدًا لأن الدواء أصبح داء لكثرة الغش والتزوير فيه ،
ولغياب الخدمات الصحية بالمستشفيات والمراكز الصحية الحكومية ، وتعطل أجهزتها ومعداتها الطبية ، وغياب العناصر الطبية والطبية المساعدة الجيدة والمؤهلة عنها أجبر معظم الناس على التنقل بين خدمات صحية سيئة غير متكاملة وغير كفوءة وغير آمنة ومفتتة ، وباهظة التكاليف مما جعل الأمراض تتفاقم وتنهش الأجساد ، ونظرًا لتدني أو انعدام التعليم الطبي والتدريب السريري وفق ما يجب أن يكونا عليه إنعكس على أداء الخدمات الصحية ، وللأسف كل المعالجات الإدارية قاصرة وتزيد من الأمور تعقيد وتتفاقم مآسي الناس لأنها بدون سياسات واضحة ، ولا إستراتيجيات وخطط وبرامج مدروسة وعلمية ومنطقية ، وبعيدة حتى عن المفاهيم البدائية القديمة للنظم الصحية ، ولهذا تزداد معاناة المرضى وتتضخم فواتير العلاج بلا جدوى للأسباب المعروفة للجميع ، والحلول العاجزة معروفة نتائجها تفاقم الأوضاع وتخلق بيئات فاسدة تجعل من المرض منظومة اقتصادية للتعايش والارتزاق منه ، وفي غياب المعايير والحوكمة والرقابة الفنية واشراك المرضى ومتابعة لصيقة ولاحقة لكل مشورة أو إجراء أو تدخل طبي لأي إنسان ومعرفة دقيقة للنتائج وضبط الاداء المهني وفق سلاسل من الإجراءات الفنية والإدارية الدقيقة التي تؤمن إنعدام الخطاء والتأخير والتباطؤ في القرار والفعل وفاعله وتوقيته ومكانه ، مع آليات التنفيذ والمحاسبة التي تضمن ضرورة أتخاذ وتنفيذ مايلزم في الحين وبالمختص المؤهل ، وبالإمكانيات المطلوبة غير منقوصة الكفاءة والخبرة والحداثة ، وتجنب ما لا يلزم لتوفير الوقت والجهد والمال وحماية المرضى ، وتراعي الخصوصية للمرضى وتحفظ كرامتهم وتحافظ على احترامهم ولغياب هذا كله وأكثر للأسف تتفاقم أوضاع الناس المرضية ومتلازمة مع الاوضاع المالية والاقتصادية للناس ، مع انحسار فرص الاختيار بين الأفضل والأنجع والأسرع والاتجاه غصبًا لما هو اسواء الذي تتبخر معه الآمال ، ولا مجال في الأفق إلا أمراض أكثر وإنفاق للمدخرات بلا فائدة ، والعالم ينادي بالتنمية المستدامة والتغطية الصحية الشاملة العادلة والمنصفة التي لا تفرق بين فرد وآخر لا في العمر ولا اللون ولا الجنس ولا في فوارق التعليم والحالات الاجتماعية والاقتصادية ولا في طبيعة العمل ومكان السكن ولا تفرق بين المدن وبعضها ، والعالم يتجه للخدمات الصحية القائمة على القيم والنتائج وليس على التكلفة والقيمة المادية ، والعالم يتسابق على الصحة الرقمية والإلكترونية والعلاج المخصص للفرد الواحد ( تفصيل ) ، والخدمات العلاجية المنزلية وعن بعد ، والعالم يسعى الى تعزيز النظم الصحية لتعزيز صحة الشعوب والمجتمعات ، والجميع يعلم أن الصحة أساس التنمية وعصب الاقتصاد ، والحماية من الأمراض أسهل وابسط من علاجها ، وأقل تكلفة من علاج أبسط مرض ، والمجتمعات المشابهة للمجتمع الليبي يرهقها المرض للترابط والمسؤولية الأسرية والاجتماعية ، ويكون للأمراض انعكاسات سلبية وخطيرة على أفراد العائلة وعلى مدخراتهم وأعمالهم ودراستهم وحياتهم ، ولذلك من الضرورة أن تتخد على عجل قرارات قادرة وناجزة للعمل بنظام صحي صحيح وقوي ومتماسك يحمي الأمة ويوفر لها الخدمات الصحية بإنصاف ومساواة وكفاءة وفاعلية . وبامكانيات بشرية مؤهلة وتجهيزات حديثة ومتطورة ، مع سرعة اتخاذ الاجراءات اللازمة لعلاج الحالات المتقدمة بإمكانيات عالية داخليًا وخارجيًا ، وأجراء الكشوفات المبكرة لكل الناس وبالأخص الذين يزداد لديهم الاستعداد بالإصابة بالأمراض ، والعمل على تفعيل كل مسار النظام الصحي الذي يسهل على الناس سرعة الوصول اليه والانتقال فيه بسلاسة ويسر وكرامة ، ويحقق لهم العلاج والتعافي المأمول دون تأخير وبدون مشقة وبلا تكاليف مرهقة وبأحترام ،
إن الصحة والرفاه حق ، والطب عمل إنساني مستحق ، وغير ذلك استبدال الباطل بالحق …
د.علي المبروك ابوقرين