الحروب والصراعات والصحة
بقلم: د.علي المبروك ابوقرين
إن تأثير الحروب والصراعات المسلحة على الصحة يبقى لزمن طويل حتى بعد انتهاء الحرب وتستمر الأمراض النفسية والجسدية لسنوات عديدة، وتتفاقم العواقب الصحية وتؤدي بالضرورة للعواقب الاقتصادية والاجتماعية.
من التجارب المتراكمة من الحروب والصراعات السابقة، تتوفر كل الادلة للعواقب الاجتماعية والاقتصادية للمضار الصحية للحروب والصراعات المسلحة والاعباء الصحية السلبية التي تثقل كاهل انظمة الرعاية الصحية والأعباء المالية لتوفير الرعاية الصحية النفسية والجسدية لضحايا الحروب وبالإضافة للأعباء الاقتصادية للتكاليف غير المباشرة للصحة المعاكسة، التي للأسف يتم تجاهلها والتي ترتبط بالإنتاجية المحدودة وانخفاض المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتي يصعب في معظم الأحيان تقديرها وفي الحقيقة انها تتجاوز بكثير تكاليف الرعاية الصحية.
لذلك يجب إعتبار العبء الاقتصادي الذي تتحمله المجتمعات، والذي يزيد من تفاقمه تأثير الصراعات والحروب على صحة المجتمعات. فالحروب والصراعات لها عواقب كارثية على المدى القريب والبعيد؛ اثناء اشتعال المعارك يُقتل ويصاب الآلاف من الاشخاص العسكريين والمدنيين، وتحدث تجاوزات ضد الإنسانية مثل الاغتصابات وإثارة الرعب والخوف لدى الاطفال وكبار السن والنقص في أدوية المرضى وحليب الأطفال .
ونتيجة لعزوف بعض العناصر الطبية بسبب الخوف، وعدم تأمين المستشفيات، وغياب الحماية للأطقم الطبية والطبية المساعدة، واستهداف بعض المرافق الطبية نتيجة الاحتراب، ونقص الأمداد الطبي للمستشفيات التي تقع في نطاق أماكن الصراع، ونتيجة لعدم تأمين فرق الاخلاء الطبي او للنقص في الكوادر المدربة على الاخلاء الطبي من نقاط الصراع مما يفاقم من العواقب الصحية للجرحى الذين يحتاجون التدخل السريع، وتقديم الخدمات الطبية العاجلة، يتطلب علاج طويل المدى لمعظم الحالات لإعادة التأهيل .
كل هذه المعاناة التي يواجهها النظام الصحي في أزمة الحرب يفاقم على المدى الطويل من المشاكل الصحية النفسية والعقلية لضحايا الحرب المباشرة وغير المباشرة، ولكل العاملين الصحيين الذين يقومون بأعمال وخدمات صحية إنسانية .
لقد أثبتت التجارب أن كل المناطق التي شهدت صراعات وحروب إنهار فيها النظام الصحي، وتدنت الخدمات الصحية لخروج الكثير من المرافق الصحية عن العمل وتعطلها لأسباب عدة منها نقص الإمداد، وهجرة الأطباء والتمريض، وتعرض المستشفيات والمرافق الطبية للأضرار المباشرة جراء الحروب والصراعات المسلحة؛ كما تتعرض بعضها للسرقة والنهب لعدم توفر الأمن وإنتشار الفوضى والجريمة في هذه الظروف، وبالضرورة ان الخدمات الصحية في مجملها تشهد تدني متفاقم كل ما تشتد الازمة او تطول، وتزداد سوءًا صحة المدنيين والسكان في حال البقاء في مناطق النزاع او التهجير، وكل ما تأزم النظام الصحي واصبح غير قادر على الاستجابة وتقديم الخدمات لضحايا الحروب والنزاعات وبالضرورة يكون غير قادر على تقديم الخدمات للمرضى الاخرين الذين يحتاجون الى الرعاية المستمرة .
كلما زادت العواقب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي الى تفاقم العواقب الصحية كلما طالت الأزمات. حتى بعد ان تضع الحروب والصراعات أوزارها تحتاج المجتمعات لعقود للتعافي صحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ومع إنتشار الاوبئة تزداد العواقب تأزمًا لما يترتب على النظم الصحية من اعباء على قدراتها البشرية واللوجستية والمالية والتشغيلية؛ ولهذا وجب على القيادات الصحية والخبراء الصحيين إعادة النظر في الهياكل التنظيمية للنظم الصحية بما يجعلها قوية، ومتماسكة وقادرة على الاستجابة في كل الظروف.
وهذا يتطلب إعادة النظر في البنى التحتية للنظم الصحية وفق عدد السكان وطبيعة الحياة والأمراض وضرورة مضاعفة القوى العاملة الصحية ورفع الكفاءة لها بالتعليم والتدريب باستمرار بما يتماشى مع العلوم والمعرفة والتكنولوجيا والتعامل مع كل الازمات الصحية الناتجة عن الحروب والصراعات او انتشار الاوبئة وغيرها من تهديدات، والاهتمام بالتوعية والتثقيف الصحي لكل المجتمعات، وتدريب كل القطاعات بشتى تنوعها واختلافها على كيفية التجاوب والمساعدة في الأزمات والحروب والصراعات للتقليل من العواقب الصحية، وتقديم يد العون للأطقم الطبية في سرعة إنشاء المستشفيات الميدانية والاخلاء الطبي وتأمين سلاسل الامدادات من الأدوية والمستلزمات والأغذية وغيرها من ما يجعل النظم الصحية تتمتع بالمرونة والقدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ والازمات الصحية التي تحتاج في مجملها لزيادة قدرة الاستيعاب لأقسام الطوارئ والعمليات والعنايات الفائقة والتدخلات الميدانية والرعايات المنزلية وتطويع الإمكانيات المتاحة بما يضمن استمرار تقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمرضى المعتادين وهذا كله يحتاج لبرامج إصلاح صحي حقيقية، وزيادة السعة السريرية، والقوى العاملة الصحية والمخزون الاستراتيجي للأدوية والمستلزمات والمعدات الثابتة والمنقولة لتجنب المخاطر الصحية التي قد تنجم من الحروب، والصراعات وانتشار الأوبئة والامراض.
لان الصحة والعافية هي الحالة المطلوبة والمنشودة لكل المجتمعات في كل الأعمار وطول الوقت.
كل الازمات التي تؤدي الى عواقب صحية بالضرورة سوف تؤدي الى عواقب إقتصادية واجتماعية وخيمة وبدورها تفاقم من العواقب الصحية وتستمر العلاقة في تزايد من الازمات والعواقب التي تهدد المجتمعات، ولهذا فإن الصحة هي الخاسر الاكبر في هذه الظروف.
وإذ على كل الدول والحكومات وأصحاب القرار والجهات التشريعية أن تسن القوانين والتشريعات التي تحمي المرافق الصحية والعاملين بها من أطباء وتمريض وفنيين وإداريين وافراد الإعاشة والنظافة والسائقين لسيارات الاسعاف وغيرها من وسائل نقل للأطقم الطبية والأدوية وغيرها.
والتشريعات التي تضمن تأمين الإمداد الطبي وتوفير مخزونات استراتيجية من الأدوية والمستلزمات الطبية وضمان تحقيق الأعداد الكافية من القوى العاملة الصحية المدربة وفق معايير تدريبية وتعليمية معتمدة، وعلى المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية المنوط