كتاب الرائ

الرعاية المَرضية

د.علي المبروك ابوقرين
الرعاية المرضية هي ليست الرعاية الصحية وهي رحلة شاقة ومضنية يعيشها المرضى وذويهم لتخفيف الآلام والمعاناة ، تتواجد بالمجتمعات التي تتفشى فيها الأمراض وتنعدم فيها الرعاية الصحية ..
ومع بداية جيلنا وأجيال أبائنا وأجدادنا لم تكن هناك لا رعاية صحية ولا مرضية ، ويعوضوا الأموات بالزواج المبكر وبالإنجاب ، ويتصارعوا مع الأمراض بما لديهم من طرق وأساليب تقليدية توارثوها ، ثم بدأت في الربع الأخير من القرن العشرين بوادر الرعاية الصحية ، وتطورت شيئًا فشيئا حتى عمت البلاد وتحققت للمجتمع الصحة التي طالما تمناها ، وسجلت البلاد أعلى المؤاشرات في التطعيمات والتحصين من الأمراض والرعاية الصحية الاولية وصحة المجتمع ، والكشف المبكر على الأمراض ، وتوفرت الخدمات الوقائية والعلاجية لكل الناس بكل المدن والقرى والنجوع ، والآن للأسف لا مجال للناس إلا رحلة المتاعب للحصول على الرعاية المرضية في الداخل والخارج ، بعد أن تفشت بينهم الأمراض المزمنة بكل انواعها وتأخرت الحالات للغياب التام للخدمات الصحية الوقائية والرعاية الصحية الأولية والخدمات الاستشفائية العلاجية بمستشفيات مجهزة وكوادر مؤهلة ، ومع تفاقم الثلوث البيئي الذي طال مياه الشرب ومياه الري وتكدس القمامة والمخلفات ، وتجريف الأراضي والبناء العشوائي ، وتقلص المساحات الخضراء والغابات ، وتعاظم إقتصاد إستهلاكي مشوه ممرض ومميت في أشكاله المتنوعة ، ومنها الأراضي المؤجرة لزراعات مسمومة بالمبيدات والكيماويات والأسمدة المخالفة لأنظمة الزراعة والبيئة والصحة ، والثروات الحيوانيه التي أنهكتها الأمراض وما عاش منها متشبع بالمضادات الحيوية والهرمونات وغيرها دون ضوابط أو رقابة وإشراف أو متابعة ، مع غياب المعايير والصحة الحيوانيه ، ويزيد عنها الاستيراد المفتوح لكل الحيوانات من كل العالم كأن البلاد تحولت لمكب كبير لاستيراد السلع الفاسدة والمغشوشة والمنتهية الصلاحية والمتلاعب في مكوناتها ناهيك عن التهريب والتي جميعها تعود على الناس والمستهلكين بالضرر الجسيم على الصحة والحياة ، والتي للأسف الشديد طال الغش والتدليس الأدوية والمستلزمات الطبية حتى بعض الأصلية منها هي مصنعة ببلدان مشهورة بالغش الدوائي للتحائل بحجة الرخص وكأننا نستدين ثمنها ، أو مساعدات خيرية ، مع التوسع المحموم في المشاريع الصحية ( الغير صحية ) صيدليات ومعامل ومراكز تجميل وتأهيل ومصحات ، مع تنامي الأنشطة التجارية التي تدمر صحة وحياة الناس مطاعم ومقاهي ومخابز مخالفة للمواصفات والمعايير تستخدم مواد فاسدة وغير صالحة للاستهلاك وضارة ومسرطنة ومسمومة ، وعمالة غير مرخصة ولا مؤهلة وغير خاضعة للشروط الصحية ، ولا الأماكن نفسها تلبي المتطلبات الفنية والهندسية والصحية والبيئية ، ومع غياب الرعاية الصحية وانهيار النظام الصحي وخروج معظم البنية التحتية الصحية العامة عن الخدمة ، وانفلات الخدمات الصحية الخاصة وتغولها ، وانعدام الرقابة عليها مما جعلها تشكل خطر على الناس ، لعدم وجود معايير لجودة الخدمات الصحية ولا لمكافحة العدوى ولا لسلامة المرضى ولا توجد رقابة ومتابعة وتدقيق للعمل الطبي ومخرجاته ولا تصنيف للخدمات الصحية ومن يقدمها وكيفية القيام بها ومتابعة نتائجها ولغياب البيانات والمعلومات الصحية لفئات المجتمع المختلفة والمدن والقرى ، مع تواجد الملايين من الأجانب المنتشرين في ربوع البلاد يعملون ويقيمون ويتحركون بين الناس بدون خدمات طبية ولا شهادات وبيانات صحية ، ولهذا ولكل ماسبق ذكره وأكثر لا يتسع له المقام يهدد بانتشار الامراض المعدية الخطيرة والغير معدية ويصعب التعامل معها بإمكانيات وإدارة القطاع الصحي في ظل نظام صحي مفتت يجمع معظم عامليه بين الخاص والعام في سوق صحي منفلت بلهث وراء جني الأموال على حساب المرض ، ولا مجال للمرضى وذويهم الا الركض بين بائعي الخدمات الصحية كل وإمكانياته المادية بين الأصلي والمقلد والدرجة الأولى والاقل ، والمجازين في اوروبا وامريكا أو في الداخل أو في أوطان نهشتها الصراعات ، وسوف تستفحل الأمراض وتطول القوائم وتتفاقم المعاناة وتجر الناس للفقر الذي سيزيد من المرض . والعالم ينتقل للطب التنبؤي والشخصي ومنع الأمراض قبل أن توجد ، لذا نرجوا من المسؤولين سرعة إتخاذ الإجراءات للنهوض بالنظام الصحي ، وفرض السياسات الصحية على كل ما له علاقة بصحة وحياة الناس والبيئة والحيوانات ، والا سيعود المجتمع الى زمن لا رعاية صحية ولا مرضية …
مع العلم أن 85% من الأمراض ممكن تجنبها و 15% الاخرى منها ممكن علاجها والتعامل معها.و 90% من ضحايا الحوادث وليبيا للاسف من أعلى البلدان في ضحايا الحوادث بالإمكان انقاذهم وتقليل المخاطر عنهم ..
ونرجوا أن لا نلهث وراء أنظمة صحية غير إنسانية وغير منصفة ، وللعلم احداها قيمة السوق الصحية بها 9 تريليون دولار وموازنة الصحة سنويا 4.3 تريليون دولار أي حصة الفرد 12.500 دولار و 5 % من الشعب خارج التغطية الصحية ومثلهم مرة ونصف غير قادرين على دفع الفروق وقوائم أنتظار بالأشهر والسنوات والموت الرحيم إستراتيجية معتمدة لديهم ، وللاسف الغالبية المتضررة الفقراء وأصحاب البشرة السمراء والاثنيات الهشة والضعيفة ، وهذا ديدنهم ودينهم صحة البشر تجارة والأمراض مكاسب كثيرة ..
الدول الريعية الصغيرة والتي حباها الله وتعتمد على مداخيل عالية آو متوسطة مثل ليبيا إن لم تخصص موازنات مالية عالية للتعليم والصحة والبيئة وتعزز أنظمتها الصحية سوف تفقد أعلى مصدر استثماري تنموي حيوي وهو القوى البشرية بالجهل والتخلف والمرض والفقر ..
الصحة والعافية والرفاه تتحقق بالرعاية الصحية الكاملة العادلة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى