الزواج في سن مبكرة
رحلة العمر قصيرة تتوقف في محطة أبغضها الله !!
رياح غلاء الأسعار عصفت بزيجات كثيرة وأغرقت مراكبها في قاع الطلاق
192 حالة زواج وطلاق قاصرات خلال عام 2018
أطفال الأسر المطلقة تربة خصبة للانحرافات وارتكاب الجرائم
قبل أن يشتد عوده وينضج في بستان الحياة ويتمرس فيها ليخوض معتركها بنجاح يدفع عدد من الآباء والأمهات بأبنائهم وبناتهم لعش الزوجية ليحلقوا بأحلامهم الوردية نحو أفق رحب وكلهم أمل بأن يفتحوا نافدة تشرق منها الفرح وتشع منها السعادة لتسعد قلوبهم وتطمئن لها , غير أن البعض منها تتوقف بسرعة عند محطة أبغضها الله في كتابه الحكيم , ظاهرة للأسف الشديد ارتفعت كثيرا في السنوات الأخيرة وتفشت في مجتمعاتنا العربية بشكل عام
فرياح المشاكل الأسرية المتأثرة بعدة عوامل منها الاقتصادية عصفت بكثير من المتزوجين في سن مبكرة في السنوات الأخيرة وأغرقت مركبهما في قاع الطلاق .
زواج الأبناء تحت سن 20 أسبابه وتداعياته , وهل ألقى ارتفاع الأسعار ومحدودية دخل الفرد بظلالهما على المتزوجين , وهل يدرك الزوجين المسؤولية الملقاة على عاتقهما مبكرا , وهل سيطرة الأبوين على ابنهما تؤثرا سلبا في حياته الزوجية , وما الأسباب الرئيسية لارتفاع حالات الطلاق وكيف نحد منها مستقبلا , حزمة من الأسئلة حملناها وطرقنا بها أبواب جهات ذات صلة بالموضوع في استطلاع نوجز فحواه في التالي :
عدسة واستطلاع : عبدالباسط حميدان – آمنة المبروك
( المخدرات ) الهاجس المخيف
السيد أشرف مصطفى سويسي رئيس فرع الشؤون الاجتماعية غريان : من خلال زياراتنا الميدانية والبحوث الاجتماعية التي نقوم بها بحتا عن الأسر المحتاجة صادفتنا عديد المطلقات ومن بينهن من هن في مقتبل العمر , ومرد ذلك يعود لتسرع أولياء الأمور في تزويج الأبناء والبنات في سن مبكرة ويكون خاتمة معظمها لا تحمد عقباها خاصة إذا كان الشاب من متعاطي المخدرات فسرعان ما ينقطع حبل التواصل بين الزوجين في ظل التعامل السيئ مع زوجته يصل للضرب المبرح وأعرف أن زوجة لم يتجاوز عمرها عشرون عاما لم تمكث مع زوجها المتعاطي للمخدرات سوى أسبوعين فقط لتفر من بيت الزوجية وتمكث عند أهلها , علاوة على تهور الزوجين وعدم ادراكهما المسؤولية الملقاة على عاتقهما , وهنا يأتي دور الأسرة وخاصة الأم في تربية أبنائها بشكل عام والبنات بشكل خاص , وفكرة الأم أول ما تنضج ابنتها تفكر في زواجها وتحرص على تسويقها خاصة في صالات الأفراح حتى تقضي على هاجس عنوسة ابنتها, ولذا بات ضروريا توعية الجميع بأهمية وكيفية تكوين أسرة مثالية متماسكة وقوية .
نعم لزواج القاصر ولكن !!
السيدة راوية رمضان القريو محامية بعد أن كانت أهلية الزواج في ليبيا في سن العشرين سنة ميلادية وفقا للمادة السادسة للقانون رقم ( 10 ) لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما تم تعديل الفقرة ( أ ) من المادة السادسة وفقا للقانون رقم ( 14 ) لسنة 2015 والذي ينص على :
أ ــ تكتمل أهلية الزواج ببلوغ سن الثامنة عشرة ميلادية .
ب ــ للمحكمة أن تأذن بالزواج قبل بلوغ هذه السن لمصلحة أو ضرورة بعد موافقة ولي الأمر .
ج ــ يكتسب من تزوج وفق الفقرة السابقة أهلية التقاضي في كل ما ما له علاقة بالزواج وآثاره .
والفقرة ( ب ) تقتضي بأن يتقدم ولي أمر الطفلة القاصر والتي لم تبلغ سن الثامنة عشر بطلب للمحكمة بشأن تزويج موكلته ويستعدي قاضي المحكمة الابنة لأخد موافقتها بالزواج دون إجبار من موكلها ومن تم يتحدث معها ويقر القاضي من بعد ذلك إمكانية زواجها من عدمه وعادة يوافق قاضي المحكمة في تزويج فتيات في سن الثانية عشر ويحيل بطلب كتابي للمأذون الشرعي بعقد القران , وصراحة بعض المناطق في الجبل يسرع الأهالي في تزويج بناتهم مبكرا منذ سن الثانية عشرة وكتب للعديد من هذه الزيجات بالنجاح بحكم البيئة التي يعيشونها نقيض ذلك في المدينة والتي للأسف البعض منها سرعان ما يفضى زواجها إلى الطلاق , والقانون الليبي لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية السمحاء فالرسول عليه الصلاة والسلام تزوج بالسيدة عائشة في سن الحادية عشر من عمرها .
غابت الثقافة فحضر الطلاق !!
السيد فيصل سالم علي أمين سر الجلسة بمحكمة غريان : من خلال معايشتي لبعض حالات الطلاق بمحكمة غريان تبين لي أن أسباب حدوث الطلاق عديدة من بينها زواج القصر والظروف المعيشية الصعبة وقيام الزواج على أسس خاطئة وعدم التكافؤ بين الزوجين في الجانب التعليمي والجانب الثقافي وعدم تهيئة الزوجين للحياة الزوجية مع تدخل أولياء الأمور بشكل سلبي في حياة الزوجين كما أن دور لجنة التحكيم للإصلاح بين الزوجين لرأب الصدع بينهما لم يكن مجديا , وللحد من ظاهرة الطلاق يتوجب تشخيص هذه الظاهرة وإبرازها إعلاميا وتسليط الضوء عليها كما للأخصائيين الاجتماعيين دورا مهما في توعية وتثقيف الزوجين قبل اقترانهما ببعضهما .
الكلام المباح لغرض الإصلاح
السيد حسام ميلاد هويدي محامي مستقل : يتردد علي في مكتبي الخاص معدل بين خمس إلى ثمان حالات شهريا لغرض انهاء الحياة الزوجية بالتراض بين الطرفين وهو ما نقوم به عوضا عن لجوء وكيلا الزوجين للمحكمة ومن تم التصديق على الطلاق بالتراض من قبل محرر عقود واحالته من تم للمحكمة , وفي أحيان كثيرة نوفق في الاصلاح بين الزوجين في الطلقة الأولى وتعود المياه إلى مجاريها وفي حالات أخرى نوفق بين الزوجين في حدوث الطلاق بالتراض بينهما , فيما يتعنت أحيانا وكيل الزوج أو الزوجة ويصر على الطلاق ويأبى الإصلاح أو حتى مجرد الجلوس وخوض الحديث معنا بغرض الاصلاح مجبرا ابنه أو ابنته على الطلاق في المحكمة ووفق ما ينص عليه القانون , وسبب معظم حالات الطلاق تعود بالدرجة الأولى لغلاء المعيشة وللعناد المبالغ فيه بين الزوجين وأحيانا بين وكيلاهما أو إحداهما فعدد من حالات الطلاق تحدث لأسباب غير منطقية بتاتا , وأسرع حالة طلاق لم يمض على زواجهما اسبوعا واحدا, واشار المحامي هويدي في حديثه للصحيفة أنه يتأسف على دار الإفتاء في افتائها على حالات الطلاق من خلال الشكاوى التي تصل اليها كتابيا دون الرجوع للزوجين لسماع الأسباب وبذلك أجحفت في حق بعض حالات الطلاق .
طريق النجاح لتضميد الجراح
السيدة آمال عبدالصمد محمد محامية مستقلة : تابعت عدة جلسات في المحكمة وصدمت بسماع كثيرا بحالات الطلاق للزوجين في سن مبكرة لم يمر على زواجها السنة الواحدة بل عددا منها لا يتعدى الشهرين واندهش عندما أصغي لسبب الطلاق الذي يعد غير مقنع بتاتا يمكن تجاوزه بسهولة , كما أن ارتفاع الأسعار وقلة الدخل الشهري للفرد سببا رئيسيا في حدوث الطلاق علاوة على هيمنة بعض الأمهات أو الآباء على أبنها والتدخل في شؤون بيته وزوجته , وأنا كمحامية أعمل في مكتب محاماة يتردد علينا بعض الأزواج أو وكيلاهما طلبا للطلاق نسعى بدورنا للتسامح والاصلاح بينهما وأفلحنا في ذلك كثيرا وهو المسلك الذي نحبذه دائما .
جيل ليس كسابقه !!
السيدة مها أحمد المقدولي : منذ شهر اقتحمت مجال المحاماة المستقلة وأعمل في مكتب المحاماة صراحة أنا ضد فكرة الزواج المبكر لأن هذا الجيل لا يدرك معنى الزواج بشكل كبير ولا يستطيع تحمل أعباء الحياة الزوجية مبكرا فجيلنا يختلف عن جيل أجدادنا الأفاضل وجداتنا الفضليات علاوة على الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد ,لذا يجب توعية الشباب وعدم الزج بهم مبكرا في عش الزوجية حتى لا يدفع الأطفال ضريبة الطلاق ويكونون عرضة للانحراف وأنا أسعى بدوري لإقناع الأزواج المتخاصمون بعد الاستماع لهم على التسامح والتنازل فيما بينهما ليستمر حبل التواصل بين الزوجين والحمد لله وفقت كثيرا في ذلك , وهذا لا يعني أن كل حالات الزواج المبكر لا يكتب لها الاستقرار الزوجي والنجاح في بناء أسرة قوية ونموذجية .
قاصرات يجابهن الحياة مبكرا
السيدة وجدان سعيد جموم محامية مستقلة : أنا ناشطة مدنية في الجمعية الليبية لبحوث الرأي العام قمت صحبة زميلاتي باستبيان حول زواج القاصرات في مدينة غريان قريبا سنجز نتائجه النهائية , وقد لاحظنا انتشار زواج القاصرات في غريان ففي عام 2017 ووفقا لمكتب الاحصائيات بمحكمة غريان الابتدائية بلغ عدد حالات زواج وطلاق القاصرات 141 حالة وارتفع العدد إلى 192 حالة زواج وطلاق قاصرات خلال عام 2018 ومن خلال هذه الدراسة أغلب حالات الطلاق ما بين سن 15 ــ 16 سنة وهناك حالات محدودة دون سن 15 سنة ومن خلال زيارتنا لمدرسة ثانوية بغريان ولبعض فصولها تبين لنا أن هناك ثلاث طالبات متزوجات وسبب زواج القاصرات منها خوف الأب على ابنته خشية الانحراف في زمن تغزوه التكنولوجيا , أما الأسباب الرئيسية لطلاق القاصرات فمن أبرزها عدم وصول البنت الى النضج الكامل وعدم التوافق في المستوى التعليمي والثقافي بينها وبين زوجها وفارق السن يلعب دورا في ذلك وسيطرة الأبوين على الزوج في حياة الزوجية علاوة على سبب مهم وهو غلاء المعيشة .
الصدمة النفسية للأطفال
السيدة نادية محمد استاذة علم نفس : من الآثار النفسية للطلاق يؤثر على المطلقة ويخلف ضغوطا نفسية متعددة مثل مرارة الفشل في الحياة الزوجية والاحساس بالحرمان وقيمة الذات وعدم احترامها في بعض المجتمعات لأنها مطلقة وقد لا تتاح لها فرصة الزواج ثانية , كما تلقي الاثار السلبية بظلالها على الأطفال من بينها بعضهم يصابون بالفشل الدراسي في كثير من الاحيان لتشتت تفكيرهم كما يفتقدون التربية السليمة في هذه الأسرة المتفككة مما يجعلهم تربة صالحة للانحرافات وارتكاب الجرائم علاوة على شعورهم بالنقص والبؤس الإحباط وحتى الحقد نحو الآخرين وتظهر عليهم علامات اللامبالاة والفتور وإعلان التمرد والعصيان وهذا كله نتيجة الصدمة النفسية لانفصال الوالدين , كما يؤدي الطلاق إلى التوتر النفسي وخاصة لدى الأطفال والذي يعمل على خفض مناعة الجسم بالإضافة إلى انخفاض هرمون النمو في الجسم لديهم .
أرقام تتكلم وقلوب تتألم !!
احصائية عدد حالات الطلاق في غريان خلال السنوات الثلاث الأخيرة حسب ما وردنا من قلم كتاب محكمة غريان في مكتبي ( غريان ــ بني خليفة ) فيما لم نتمكن من الحصول على حالات الطلاق في مكتب القواسم الأكبر رقعة جغرافية والأكثر كثافة سكانية بغريان .
سنة 2017 بلغ عدد قضايا الطلاق بمكتب غريان 74 قضية وبمكتب بني خليفة 13 قضية .
سنة 2018 بلغ عدد قضايا الطلاق بمكتب غريان 92 قضية وبمكتب بني خليفة 29 قضية .
سنة 2019 بلغ عدد قضايا الطلاق بمكتب غريان 51 قضية وبمكتب بني خليفة 24 قضية .