الصحة والحصان الميت

د.علي المبروك أبوقرين
في الإدارة السيئة والفاشلة والإصرار على الاستمرارية بنفس الكيفية والنهج والسياسات ، أُستخدم تعبير الحصان الميت كاستعارة ساخرة لحكمة قديمة تقول إذا اكتشفت أنك تركب حصانا ميتا من الأفضل النزول عنه ، ولكن للأسف في الكثير من الإدارات الغير فاعلة والفاشلة هناك إصرار على ركوب الحصان الميت ، وتطوير الإسطبل ، وشراء أغلى الأعلاف المستوردة ، وتوظيف من يتولى شؤونه من ليس لهم خبرة لا في الخيول ولا في الدواجن ، والتعاقد على السروج الغالية ، وهذا ما يظهر واضح وجلي في النظم الصحية الفاشلة والقطاعات الصحية المنهارة ، والتي تنفق الميزانيات العالية بدون تخطيط ومن غير إصلاح ، والهدر في المال والوقت والجهد دون نتائج ، مع تهالك في البنية التحتية الصحية ، والاعتماد على شكل ووظائف المباني والتقنيات والتجهيزات القديمة ، والعنابر التي تتسع لمجاميع من المرضى ، والحمامات الجماعية البدائية ، والأثاث الطبي القديم في الشكل والذوق والوظيفة ، والبيئات الاستشفائية الغير مناسبة ، ولا تحقق الخصوصية والهدوء والراحة ، ولا تلبي الاحتياجات الخاصة ، ولا تتناسب مع التطورات التقنية والتكنولوجية الطبية ، مع تكدس في الوظائف والقوى العاملة من لا علاقة لهم بالعمل الصحي والطبي لا إداريا ولا فنيا ، والأطباء والتمريض والفنيين الصحيين على ندرة المتميزين منهم يتساون مع الأخرين ، ومن يعمل في المدن الكبرى كمن يعمل في المناطق النائية والدواخل بلا فروق ولا حوافز وامتيازات كأنه دفعًا للهجرة ، وعدم تطوير وتحديث التشريعات والقوانين واللوائح والسياسات ، والاستمرار بالنهج البيروقراطي العقيم والسبل التشغيلية الإدارية الورقية الروتينية البالية ، وتكليف من ليس لهم علاقة لا بفلسفة وفنون وعلوم الإدارة الصحية ولا بالطب ، والتركيز على الخدمات العلاجية بلا معايير ، وإهمال الرعاية الصحية الأولية والطب الوقائي وخدمات طب الطوارئ ، ولذلك توحشت الأورام واستفحلت ، وارتفعت معدلات الأمراض المستعصية ، وزادت الأمراض المزمنة والمعدية ، ووصل ضحايا الحوادث لأرقام مخيفة ومرعبة ، ولا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن ، فلا نجاح في منع ومكافحة الأمراض ، وفشل تام في علاجها ، واللجوء لتأسيس هيئات ومؤسسات ولجان للأورام والكلى وزراعة الأعضاء وضمور العضلات والتوطين والتسفير والجرحى وغيرها من مسميات لأجسام لامعنى ولا قيمة لها أو فائدة منها ، غير إنها وظائف للالاف الغير معنيين ومسالك للإنفاق الغير مشروع ، في الوقت الذي فيه المستشفيات العامة لا تعمل للأسباب المعلومة ، والكوادر المتخصصة والمؤهلة قليلة جدا ولا تكفي ، وذهبت للسوق التجاري الموازي ، والتمريض في اسواء حالاته ، والأدوية مفقودة في العام وغير مضمونة وغير آمنة ومكلفة في الخاص ، والسوق يغرق بالدواء المغشوش والمزيف والمخالف لمعايير الشراء والتداول ، والأمور تزداد سوء مع موت أحصنة أخرى مهمة وينعكس موتها سلبا على الصحة وهم التعليم ( والتعليم الطبي بالأخص ) والبيئة والزراعة والبيطرة والاقتصاد ،
ولهذا ساهمت جميعها في تعقيد الاوضاع الصحية ، وتعاظم التحديات والتهديدات الصحية ، والتي تستوجب وبسرعة النزول من على الأحصنة الميتة ، وتبني استراتيجيات للإصلاح والتطوير الجذري للنظام الصحي ، للتحول الصحي المنشود والمواكب للعالم المتقدم طبيًا وعلميًا واقتصاديا ، وإعادة بناءً نظام صحي قوي وفعال ومنصف ، ببنية تحتية صحية متكاملة حديثة ومتطورة ، وبنية فوقية ثقافية علمية اخلاقية تعزز القيم الانسانية النبيلة ، وتحافظ على الحقوق والكرامة والعدالة ، وتمنع الأذى وتحفظ النفس وتحمي الحياة ..