كتاب الرائ

الصحة والميزانية

   د.علي المبروك أبوقرين

على مدى قرون طويلة كانت للصحة الأهتمام الكبير ومن أولويات  المهام لدى المنوطين بتسيير أمور حياة الناس ، وتخصص للمستشفيات والمرافق الصحية الأوقاف من الأراضي  الشاسعة والمنتجة للإنفاق على تسيير المستشفيات ، وتأمين الأدوية والإعاشة وأجور الأطباء والمساعدين والصيادلة ، وتوفير كل احتياجات المرضى بما في ذلك الأجور التعويضيه عن كل مدة بقائهم بالمستشفيات ، أو  ما يحتاجونه للنقاهة بالمنازل حتى لا يعودوا لممارسة الأعمال  وهم في فترة التعافي لتجنب الانتكاسات ، وفي فترات الأستعمار وللحاجة للأيدي العاملة القوية ، وحماية رعاياه من الأمراض ، قام المستعمر ببناء المستشفيات والمستوصفات وجلب الأطباء والممرضين ودرب بعض العناصر الوطنية ، وحرص على تقديم الخدمات الصحية المجانية للناس رغم قساوة المستعمر ، وبعد النفط أعطيت الصحة الاولوية  في الإنفاق والتوسع في البنى التحتية الصحية والتعليم الطبي ، وإستجلاب العناصر الطبية والتمريضية ، وعلاج الأمراض المستعصية في أكبر  المستشفيات الجامعية الأوربية على نفقة الدولة ، بخطط متوازنة متزامنة بناء وتجهيز وتعليم وتدريب وتأهيل  وعلاج المرضى داخليًا إذا  توفر وخارجيًا إذا  تعذر العلاج محليًا ، ومرتبات مجزية للعناصر المحلية والأجنبية العاملة بالمستشفيات والمستوصفات المحلية وللدارسين الليبين في الجامعات الأجنبية بالخارج ، وكل ذلك وفق سياسات مالية ونقدية واقتصادية واجتماعية لبناء المجتمع والدولة ، ولتحقيق مؤشرات تنموية كبيرة وعادلة ديموغرافيًا وجغرافيًا دون الحاجة لتسليع الخدمات الصحية ولا التعليم ولا من الجيب أو على حساب مدخرات الناس ، ولا التفكير في بدائل تمويلية وضيعه وغير إنسانية ابتدعها جهابذة الآقتصاد المشوه ، وأنصار العولمة ..

ونظرا للتطور التقني والتكنولوجي والمعرفي والتحول المتسارع في رقمنة الخدمات الصحية والتقدم في إمكانيات التنبؤ بالمخاطر الصحية والأمراض وتفاديها ، ونظرًا للمتغيرات المناخية والتغير في انماط الحياة ، والزيادات في معدلات الاصابة بالأمراض المعدية والغير معدية ،  مع زيادة ضغوط الحياة والتوترات والقلق ، وزيادة نسب كبار السن الذين تخطوا 70 سنة ، مع الأمراض المزمنة والزيادة السكانية ، ولمسايرة التطور ومكافحة الأمراض والتمكين في الصحة  وجب استقطاع مايكفي للقطاع الصحي من الميزانية العامة وان لا تقل عن 15% من إجمالي الدخل القومي ، وأن يتم زيادة السعة السريرية ضعف المتاح حاليًا ، وأن يتم إنشاء مراكز صحية مجمعة في جميع الأحياء السكنية تقدم خدمات صحية متكاملة ، تغطي الخدمات الاستباقية والتنبؤئة والفردية وتعزيز الصحة وتمكين الناس من صحتهم ، وكل الرعاية لجميع الفئات العمرية من قبل الحمل لبعد الولادة وطول العمر ، شاملة التوعية والتثقيف الصحي والأنشطة البدنية والثقافية ، والرعاية الصحية النفسية والمدرسية والمهنية ، والطب الوقائي والإسعاف والطوارئ والخدمات الصحية المنزلية والخدمات المصاحبة والتتبع عن بعد والخدمات الصحية الافتراضية ، وخدمات المشورة الطبية المتكاملة في التغذية والتربية والتنشئة الصحية ورعاية الأطفال والمراهقين والمسنين وذوي الإعاقات والمتلازمات والأمراض الوراثية والأمراض النادرة ، تكامل الخدمات الصحية لكل السكان في مكان واحد في متناول الجميع يسهل الوصول إليه والتواصل معه على مدار الساعة كامل التجهيزات والمواصفات بمعايير صحية عالية الجودة ، مؤمنة ومؤثمنة تحفظ الخصوصية والكرامة الإنسانية ، تحقق مايزيد عن التوقع والقيمة والنتائج المأمولة ، تمنع الأمراض وتكافح الأوبئة ، سريعة الاستجابة والتدخل والاحالة

لخدمات استشفائية بمستوياتها المصنفة علميًا ، بمستشفيات ومرافق صحية تتناسب مع عدد السكان في الحد الأعلى للسعات السريرية والكوادر الطبية والطبية المساعدة التي تساوي المعدلات العالمية بالدول المتقدمة أقتصاديا وعلميًا ، ولهذا المطلوب إعاده هيكلة النظام الصحي ببنية تحتية صحية حديثة ومتطورة مغايرة للموجود حاليا ، لتأمين الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية المأمونة والموثوقة والأصلية ، وسلسلة إمداد مغلقة لكل متطلبات النظام الصحي لا تسمح بالنقص والزيادة والهدر والغش والتدليس ، ومنظومة طوارئ وإسعاف مجهزة ومتكاملة التجهيزات والكوادر المؤهلة من الراجلة للطائرة تتمتع بالمهنية والجاهزية والاستعداد تستخدم كل وسائل الإنقاذ والتدخل السريع والاخلاء والخدمات الصحية الميدانية ..

ورفع كفاءة جميع العاملين الصحيين بما يتناسب مع التطور الحاصل في الخدمات الصحية العصرية

وللتماهي مع الخدمات الصحية بالدول المتقدمة التي تنفق على صحة الفرد من 2000 الى 12.500 دولار ، وعلى الأطباء والتمريض والفنيين تنفق على تعليمهم وتدريبهم الملايين من الدولارات ، ولا تقل ساعات التدريب عن 80 ساعة أسبوعيًا لتلقي العلوم والمعرفة والمهارة والخبرة وفلسفة التعامل والتفكير ، ونسبة الأطباء للسكان لا تقل في حدها الأدنى عن 6/1000 وتمريض عالي المهارة والخبرة والتخصصات ، يتخطى تدوين الملاحظات والنتائج وتنفيذ الأوامر وفي الحد الادنى يكون نسبة التمريض للأطباء 3/1 وسعة سريرية تتراوح من 6 الى. 16/1000 ، ومرافق مطابقة للمواصفات والمعايير العالمية الحديثة ، كاملة التجهيزات يقوم عليها كوادر مؤهلة ، تحقق التغطية الصحية الشاملة ، والصحة الإلكترونية المرقمنة باستخدامات الذكاء الاصطناعي ، بنظام تتنقل فيه الخدمات الصحية وينتقل من خلاله المريض بسلاسة وسرعة ويسر وآمان ، تحت إشراف وإدارة سلطة صحية واحدة مؤهلة فيما تعمل وقوية وفعالة ، تكافح وتمنع الأمراض المعدية والأوبئة ، وتعالج الأمراض المزمنة والمستعصية ، وتقلل المخاطر الصحية ، وتعزز صحة المجتمع ليتمكن من أداء واجباته وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والعيش في صحة وعافية ورفاه ..

إن لم تكن الاولوية للصحة في الإنفاق لن تكون للمجتمع تنمية وتطور .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى