كتاب الرائ

الطب والصحة بين الأمس واليوم

د.علي المبروك أبوقرين

بعد حرمان من الخدمات الصحية والتعليم الطبي لقرون طويلة ، وبعد أن كانت في ليبيا مستشفيات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة شيدها الاستعمار لخدمة رعاياه ، وعانت الأمة من أمراض فتاكة قضت على الآلاف ، وفقدت عائلاتنا الكثير من حديثي الولادة والأطفال والحوامل والأمهات ، وكبار القدر الذين أرهقتهم مشاق الحياة والعناء والأمراض وانعدام الدواء وشح الغذاء ، ولفقدان الرعاية الصحية ، والولادة في البيوت دون رعاية طبية ، ومع الفقر وندرة التعليم تنادي الليبيون للتعلم ودراسة الطب في مصر وأوروبا وأمريكا إيمانًا برسالة العلم والطب ، وعادوا فرادى محملين بالمعارف والعلوم والخبرات ، وانخرطوا في العمل الإنساني بكل إقدام وحماس وعطاء ، وأسسوا مدارس التمريض ، وساهموا في التوعية الصحية المجتمعية وفي بناء النظام الصحي ، ورسم السياسات الصحية والتشريعات والقوانين الصحية ، وأسسوا  أول كلية للطب البشري ببنغازي عام 1969 وافتتحت بأول دفعة عام 1970 ، وتولى بعضهم حقائب وزارة الصحة ، وإدارة بعض المستشفيات ، ورئاسة الأقسام الطبية التخصصية ، ورئاسة بعض الإدارات المعنية بالصحة ، أو بالتعليم الطبي حينها ، وكان لبعضهم الدور العظيم في تشييد كل البنية التحتية الصحية من مستوصفات ومراكز صحية ومجمعات صحية ومستشفيات قروية ، ومستشفيات تنائية وثلاثية ومرجعية للخدمات الطبية في كامل ربوع الوطن ، وكان لهم دور كبير مع زملائهم واقرانهم ومن توالى بعدهم في توطين العلاج وتطوير الخدمات الصحية وتعليم الطب ، والو اهتمامًا كبيرا بتعزيز الصحة العامة ، وتطوير الخدمات الصحية ، بتوسيع التعاون مع المنظمات والجامعات والمؤسسات الدولية المتخصصة ، والاستفادة القصوى من الخبرات الأجنبية في الخدمات الصحية والتعليم والتدريب الطبي والصحي ، لمواكبة آخر التطورات في النظم الصحية ، وكان لهم الاهتمام الأساسي بتوطين الكفاءات ، وابتعتوا المئات للدول المتقدمة من الراغبين في دراسة الطب والصيدلة وطب الأسنان ، واستجلبوا أساتذة كبار معروفين في العالم في جميع التخصصات الطبية لتقديم افضل الخدمات الصحية ونقل المعرفة والعلوم والخبرات الطبية ، وحرصوا على إيصال الخدمات الصحية لكل مناطق البلاد بإمكانيات حديثة وقدرات مؤهلة وأدوية ومستلزمات أصلية ومن مصادرها المعروفة ، ولإيمانهم أن الطب رسالة إنسانية وواجب وطني والصحة حق أصيل ،  حرصوا على تقوية وتعزيز وتوحيد النظام الصحي ، ولم يلجؤوا لتفتيته وخلق أجسام موازية تضعف النظام الصحي كما هو الحال اليوم ، ولم يسعوا لتسليع الخدمات الصحية وتحويلها لمشاريع استثمارية لتتربح فئة قليلة من أمراض الناس ، حتى صار نقل المريض والمصاب بأجرة ، والعلاج بمقابل ، ولا علاج للفقير ومتوسط الحال ، ولم يستبدل التعليم الطبي بما هو أدنى وأحط وتجاري ليس إلا ، ولم يلهتوا وراء مكاسب شخصية لجني المال مقابل برامج تعليمية وهمية لبيع الشهادات التخصصية ، وحرصوا على مستقبل الأجيال وصحة المجتمع ،  ولم يفكروا يوما ببدائل تمويلية سيئة للنظام الصحي كالمهوسيين بالتأمين الصحي واشباهه للنيل من الأصحاء وزيادة المرضى الأعباء ، والبلاد حينها أقل دخلًا ، وتحتاج لإنفاق أكثر على بنية تحتية صحية كاملة لم يكن موجود منها شيئا ، وتجهيزات طبية حديثة مكلفة ، وقوى عاملة صحية مؤهلة أتوا بها من جميع اصقاع الدنيا ، وكان لهم الفضل في تحقق مؤشرات صحية عالية وعالمية بعد ما كانت من الدول المتدنية جدًا في المؤشرات الصحية ، وأصبحت ليبيا من أوائل الدول بالمنطقة في جراحات القلب المفتوح وزراعة الكلى ، بفضل الإرادة وحسن الإدارة وحب العطاء والإيمان بأن الطب رسالة إنسانية ، نجحوا الأوائل المؤسسين بالأمس في حماية صحة وأمن المجتمع بمعالجة الأسباب الجذرية للأمراض ، وبناء نظام صحي قوي وفعال ، قادر على التصدي والاستعداد للتحديات وحالات الطوارئ الصحية والوقاية منها والاستجابة لها ، وبغير ذلك لن ينصلح الحال اليوم ..

نذكر الأمس فخرا واعتزاز ، ونُذكر به للاقتداء عل وعسى نعي أن الصحة حق ، وتعزيزها واجب ، والحماية من الأمراض اساسي ، ومعالجة أسبابها أولوية قصوى ، والاستشفاء من الأمراض لا يجب ان نجعله تجارة !!!!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى