الارتجالية في التعامل مع القضية الفلسطينية كانت ومازالت لها نتائجها السلبية بالغة الأثر . وكذلك اعتبار الصراع العربي – الإسرائيلي صراع ديني فيما اليهودية لا لإسلام اعتباراً يدل على الفهم الخاطىء لهذه الظاهرة الاستعمارية التى قام بها الغرب والتي أفرزت ، منذ بدايات نتائجها ، احتلال فلسطين وتوطين الصهيونية العالمية الإسرائيلية فيها .
بمعنى أن اعتبار الصراع صراع ديني هو في حد ذاته مخطط إعلامي غربي للتقليل من شأن أهمية القضية في نظر الجماهير العربية وتسطيح وعيها وتعميق جهلها بحجم الخطر الصهيوني الغربي ضد الأمة العربية قاطبة .. وتكون المحصلة ، بذلك خاطئة لحشد الطاقات الجماهيرية العربية المتوفرة وتفويت الفرصة للتعامل مع القضية بالشكل المطلوب . أي أن هذا الاعتبار الديني نفسه ايديولوجية غربية ممنهجة لتحقيق التجهيل الإعلامي والسياسي للقضية وتقزيم إبعادها المتشابكة .
غياب الرؤية الناضجة للصراع العربي – الإسرائيلي للجماهير العربية والناجمة عن مظله التجهيل الإعلامي والسياسي الغربي التي نتج عنها تأييد جماهيري إنفعالي مرتجل ومفتعل من قبل الأنظمة العربية ولم تشارك فيه الصفوة السياسية العربية . أي أن القضية الفلسطينية وعبر تاريخها الطويل وخصوصاً بعد وعد بلفور المشئوم ، لم تخطي حتى الآن بتأييد صحيح ناتج عن عمليات تنش~ين جماهيرية سياسية وعسكرية منظمة تنشيئية بالتعبئة الأمنية الاستراتيجية المدروسة تديرها مؤسسات واكاديميات إيديولوجية متخصصة .
الرؤية الصحيحة هو أن احتلال فلسطين كان نتاج معطيات اساسية ثلاثة :الأولى متعلقة بتوسط فلسطين في العالم العربي الأوسطى . والثانية بأحتوائها لثروات طبيعية هائلة تفوق الخيال علاوة على خصوبة أراضيها الزراعية واحتياطها الضخم من المياه الجوفية العذبة والثالثة ناجمة عن أنها حلقة الوصل لأكبر ثلاث قارات في العالم ، وبذلك يصبح العالم بأسره طرفى الموقع بالنسبة لها .
فأصبح احتلالها – فلسطين – والهيمنة عليها وعلى ثرواتها بالنسبة للغرب ، شرط من شروط الهيمنة على العالم . موقع فلسطين كان ومازال أخذ التزايد كما كان ومنذ القدم . فهي كانت دائماً محط أنظار القوي الغازية منذ العصور البائدة ابتداء من أحقاب ملوك الهكسوس بمصر والبطالة والرومان والفرس والاغريق ثم المغول والتتار والحروب الصليبية وانتهاء بالاستعمار البريطاني ثمالأنتداب البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية وتوطين صهاينة العالم وقيام الدولة الإسرائيلية فيها .
اختيار فلسطين العربية لتكون الوطن القومي لصهاينة العالم لم يكن قط تعاطفاً غريبي مع ما يسمى أو يعرف بيهود العالم وإيماناً واقتناعات غربية بمعتقدات دينية توراتية – انجيلية محرفة … وإنما كان ضمن سلسلة لخطوات استراتيجية غربية للهيمنة على كل المنطقة – منطقة الوطن العربي بشقيه الأوسطى والشمال الأفريقي واحتكار ما فيه من مخزون هائل لثروات طبيعية نادرة . فالغرب كان على يقين بأهمية فلسطين ودورها في موازين القوى على مستوى العالم اجمع . أهميتها لا تقتصر على المحاور العسكرية فقط وإنما على جميع المحاور الأخرى ذات العلاقة بأقتصاده وأمنه القومى وعناصر مقومات قوته المتنوعة والمتعددة .
يقول الدكتور الصهيوني ناحوم جولدمان بأن اختيار فلسطين لم يكن لمكانتها التاريخية الديشة بالنسبة لليهود والغرب وإنما لأن مياه البحر الميت التي تطل عليها تعطى سنوياً ، بفضل التبخر ، ما قيمته ثلاثة آلاف مليار دولار (ثلاثة تريليون ) من المعادن وأشباه المعادن ومخزونها البترولي الخام يعادل عشرين مرة مخزون الأمريكيتين مجتمعة … علاوة على أنها ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا وتشكل – أي فلسطين – نقطة الارتكاز الحقيقية لكل قوى العالم وهي بذلك المركز الإستراتيجي العسكري للسيطرة على العالم .