اللغة والأسطورة
في هذا الكتاب يطرح المؤرخ والفيلسوف أرنست كاسيرر عدة أسئلة :
ما العلاقة التي تربط بين اللغة والأسطورة ؟ وإذا علمنا بوجود اختلاف في كيفية فهم الشعوب للعالم، فهل مرد هذا الاختلاف إلى اللغة أم إلى الأسطورة ؟ وبالتالي هل تسبق الأسطورة اللغة، أم تسبق اللغة الأسطورة ؟ أم هما يصدران معا من منبع مشترك ؟
كاسيرر يعتقد أن اللغة، التي هي أداة الإنسان الأولى للعقل، تعكس الميل إلى صنع الأسطورة أكثر مما تعكس الميل إلى العقلنة والتفكير العقلي، فاللغة التي ترمز للفكر، تعرض نمطين مختلفين تماما من الفكر ‘لكن الفكر في كلتا الحالتين هو فكر قوي وإبداعي، فهي تعبر عن نفسها في شكلين مختلفين، إحداهما هو المنطق الاستدلالي الاستطرادي، والآخر هو الخيال الإبداعي، يبدأ ذكاء الإنسان مع التصور، الذي هو الفاعلية العقلية الأولى، وتبلغ عملية التصور دائما أوجها في التعبير الرمزي ‘
يرى كاسيرر أن التصور لا يثبت ولا يحتفظ به إلا حين يتجسد في رمز، وهكذا في دراسة الأشكال الرمزية تقدم مفتاحا لأشكال التصور الإنساني، وتكوين الأشكال الرمزية – سواء أكانت لفظية أو دينية أو فنية، أو أي نمط من أنماط التعبير – هو ملحمة العقل ‘ ويبدو أن أقدم هذه الأنماط كما يقول كاسيرر يتمثل في اللغة والأسطورة، وما دام مولد كلتيهما يعود إلى عصر ما قبل التاريخ، فإننا لا نستطيع أن نثبت عمرا لأي منهما، لكن هناك أسبابا كثيرة يقول كاسيرر تدعونا لاعتبارهما مخلوقين توأمين، وقد انعكست الحدوس عن الطبيعة والإنسان في أقدم الجذور اللفظية، فكانت العمليات التي ربما نمت اللغة من خلالها هي بعينها العمليات المعبر عنها في تطور الأساطير ‘ فهما ليستا المقولات والقوانين لما يسمى ب ( المنطق الاستطرادي ) ،أي أشكال العقل، التي تكمن وراء كل من الحس المشترك والعلم، فالعقل ليس عطية الإنسان البدائية، بل هو إنجازه وتكمن بذوره – الخصبة التي هجعت طويلا – في اللغة وينبع المنطق من اللغة حين تبلغ نضجها أكبر الأنماط الرمزية ‘
اللغة والأسطورة كتاب يحتاج إلى القراءة أكثر من مرة ولا يمكن فهمه دون قراءات سابقة في هذا المجال لكنه يظل ممتع نظرا لما يطرحه من أسئلة وإشكاليات تجعل عقولنا تنفتح على آفاق واسعة من الأفكار ‘.