كتاب الرائ

الملكُ إدريس واستقلالُ ليبيا في أطروحةٍ عـراقــيةٍ

يونس شعبان الفنادي

الملكُ إدريس واستقلالُ ليبيا

في أطروحةٍ عـراقــيةٍ

يونس شعبان الفنادي

يونس شعبان الفنادي

يونس شعبان الفنادي

Fenadi@yahoo.com

لازالت الدراسات الجامعية العراقية تتحفنا بالعديد من البحوث الأكاديمية حول مواضيع ليبية ظلت، طوال عقود زمنية، بعيدة عن مجالات البحث والكتابة في ليبيا. ومن بين هذه البحوث أطروحة الماجستير للباحثة هند عادل النعيمي المعنونة (محمد إدريس السنوسي ودوره في استقلال ليبيا 1890-1952) تحت إشراف أستاذها الدكتور ظاهر محمد صكر الحسناوي الذي أقام في ليبيا عدة سنوات وعمل وتعرف على مؤسساتها الجامعية والبحثية وها هو يستثمر تجربته الليبية ومعلوماته ومعارفه حول الشأن الليبي في مواضيع يقترحها على طلبته بالجامعة العراقية العريقة، الأمر الذي يجعلنا نثمن عالياً صنيعه ووفاءه لسنواته الليبية واهتمامه بتاريخها ورموزها، ونكبر جهوده ومساهماته التي ستظل خالدة في المشهد الليبي والعربي.

وقد صدر كتاب (محمد إدريس السنوسي ودوره في استقلال ليبيا 1890-1952) عن دار قناديل العراقية للنشر والتوزيع في طبعته الأولى سنة 2018م، في حوالي أربعمائة وعشرين صفحة من الحجم الكبير، حاملاً عنوان الأطروحة ذاتها ومتضمناً الفصول التالية:

الفصل الأول بعنوان: الأسرة والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها محمد إدريس السنوسي، ويتضمن التعرض لشخصيات كل من محمد بن علي السنوسي، ومحمد المهدي السنوسي، وأحمد الشريف السنوسي، وتأسيس الزوايا السنوسية وتطورها، وبداية الإحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911م.

والفصل الثاني بعنوان: محمد إدريس السنوسي النشأة والتكوين الثقافي والفكري والنشاط السياسي المبكر (1890-1922)، ويتناول مولده ونشأته وتعليمه ودعوته إلى السياسة بدل القوة، وتسليط الضوء على مرحلة من العلاقات مع إيطاليا، والعودة للمفاوضات معها، وعقد اتفاقية عكرمة، ثم إمارة السنوسي الأولى سنة 1919-1922م، واتفاقية الرجمة، ورحلته الثانية للحج، وإشارة إلى بعض أسباب هجرته إلى مصر.

والفصل الثالث بعنوان: نشاط إدريس السياسي في مصر عام 1923-1938م، ويتناول فترةً من حياة إدريس السنوسي في مصر، واستمراره في قيادة حركة الجهاد، والمساعي الايطالية للتفاوض معه، وموقفه من مفاوضات إيطاليا ومصر حول الجغبوب، ونشاطه في مصر لدعم المقاومة الليبية ضد الايطاليين حتى استشهاد شيخ المجاهدين عمر المختار وانتهاء المقاومة المسلحة، مع إبراز بعض ملامح الفكر السياسي لدى إدريس السنوسي.

والفصل الرابع بعنوان: دور إدريس السنوسي السياسي والعسكري خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945م، وتناول مؤتمري فيكتوريا وجاردن سيتي، ومشاركة جيش التحرير السنوسي في الحرب ضد دول المحور، وتطور الفكر السياسي عند إدريس السنوسي، وحكم الإدارة البريطانية في برقة، وموقف إدريس السنوسي من الاحتلال البريطاني لليبيا 1943-1946م، ورفضه العودة إلى برقة، ثم تراجعه وعودته وزيارته الأولى لها بعد طرد الإيطاليين منها.

الفصل الخامس بعنوان: إدريس السنوسي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية عام 1945-1949م، وتناول موقف الجامعة العربية من الإمارة السنوسية، ومحاولات تصفية الخلافات بين البرقاويين والطرابلسيين لتكريس الإمارة السنوسية، وموقف الأحزاب والقوى السياسية الليبية من إمارة إدريس، وردود الفعل على فشل المفاوضات، ثم تعاطي إدريس مع الصراع الدولي على ليبيا والتحولات الجديدة على مسار القضية الليبية.

والفصل السادس بعنوان: إدريس السنوسي من الإمارة البرقاوية إلى العرش الليبي 1949-1952م، وتناول غضب إدريس على البريطانيين، وولادة الإمارة البرقاوية الثانية، وتشكيل حكومة برقة، وزيارة إدريس إلى لندن، ودستور إمارة برقة، وطريق استقلال ليبيا ووحدتها بقيادة إدريس ووصوله إلى عرش ليبيا بعد إمارته على برقة، وتشكيل الحكومة الاتحادية الليبية المؤقتة، وزيارة إدريس إلى طرابلس في نيسان ]أبريل[ 1951م، وإقرار الدستور الليبي وتأسيس المملكة الليبية المتحدة وإعلان الاستقلال.

 

وحول اختيارها شخصية ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي السياسية التاريخية لأطروحتها الجامعية تقول المؤلفة الدكتورة هند عادل النعيمي (.. مما يزيد من أهمية إدريس المهدي السنوسي، أنه كان ذا شخصية مركبة جمعت بين السلطتين الدينية والدنيوية، فهو الزعيم الروحي للحركة السنوسية بعد نفي إبن عمه أحمد الشريف، والقائد الموجه لحركة الجهاد من بعده، وهو الزعيم السياسي الذي كان الوجه الأبرز على الساحة الليبية في تمثيل بلاده في المحافل الدولية والتي قادها نحو الاستقلال والوحدة وهو مع هذا وذاك جمع بين الثقافتين الدينية الملتزمة بأحكام الشريعة، وبين الثقافة السياسية الليبرالية المنفتحة على العالم الحر، فكانت إزداوجية متجانسة قلما نجد نظيرها في غيره من القادة والزعماء..).

 

أما عن أهداف دراستها لهذه الشخصية تبيّن الدكتورة ذلك قائلة (.. تأتي هذه الدراسة لتشكل إطلالة جديدة على هذه الشخصية، ومحاولة للكشف عن دورها الحقيقي في تأسيس دولة ليبيا الحديثة، على الأقل بروح متجردة عن الدوافع أو التعاطف غير المبرر، ونظراً لسعة الدور السياسي الذي قام به إدريس في تاريخ ليبيا المعاصر، على امتداد حياته والتي بلغت ثلاثة وتسعين سنة فقد أرتأيتُ أن أقصر هذا البحث على دراسة دوره السياسي في استقلال دولة ليبيا الحديثة حتى عام 1952م، ليكون البحث في أثناءها أكثر عمقاً ولأترك المرحلة اللاحقة من حياته بصفته ملكاً على ليبيا حتى عام 1969م لباحث أخر يكمل هذا الدور..)

 

ويقول أستاذها المشرف على الأطروحة الدكتور ظاهر محمد صكر الحسناوي في مقدمته المستفيضة الشيقة للكتاب التي جاءت موضحة وشارحة لاهتمامه بالشأن الليبي، ومدافعة عن محدودية ونقص المعلومات والمراجع التاريخية التي تحتاجها الدراسة الشاملة المتكاملة، ليُحَصِّن بذلك ويبرر أي ضعف يظهر بعمل طالبته الباحثة المثابرة (… في هذا الكتاب الذي بين يدي القاريء الكريم جهدٌ متواضع عن شخصية كبيرة ومهمة في تاريخ ليبيا لباحثة عراقية مجدة، أعتقد أنها جازفت في الغوص في موضوع كهذا تعرض إلى التعتيم وحتى التضليل أحياناً، وفي حدود الإمكانيات الوثائقية والمصدرية المتاحة تمكنت من استكمال ملامح الصورة الغائمة لهذه الشخصية وإبرازها بوضوح في إطار زمني محدد، وهي تعلم جيداً أن موضوعها قيد البحث قد يثير الكثير من الأسئلة وردود الأفعال الإيجابية والسلبية، وما نريد إيصاله إلى كل من يقع هذا الكتاب بين يديه أن الباحثة لم تكتب كل شيء عن إدريس السنوسي وإنما كتبت ما استطاعت الوصول إليه من المصادر، كما فضلت أن تقتصر هذه الرسالة على المرحلة الأولى من حياة إدريس والتي تتوقف عند اعلان استقلال ليبيا، وأن تترك المرحلة الثانية من حياته كملك إلى باحث أخر توخياً لإعطاء الباحثة الفرصة الكافية للتعمق في سيرته واستكشاف تفاصيل دوره السياسي في هذه الحقبة من حياته..).

 

وهنا لابد من التأكيد على أنه لا يمكنني شخصياً، وبأي حال من الأحوال، التقليل من أي عمل إنساني أو جهد بحثي، لأني خبرتُ معاناته وضغوطاته الزمنية الجامعية، وتشعب مواضيعه فصولاً وأبواباً وأقساماً، لذا أنا أقدرُ عالياً أهمية هذا العمل الذي يضيفُ الكثير لمكتبة التاريخ الليبي والعربي الحديث والمعاصر، ولكن ما صدمني في الكتاب هو عبارة عن مجموعة ملاحظات فنية وتقنية تخص معظمها المنهج البحثي الذي اعتمده الأستاذ المشرف واتبعته الطالبة الباحثة، لأنه -في تصوري- يمس جوهر آلية وأسلوب البحث الأكاديمي، ولا يمكن اعتبار تلك الملاحظات مجرد هنّات شكلية بسيطة بالإمكان غض البصر عنها أو تجاوزها، لأن الأطروحة الأكاديمية هي دراسة دقيقة علمية في المقام الأول، ومنجزة في رحاب جامعة عريقة لها أعرافها وطقوسها واشتراطاتها الفنية، وسقف معاييرها العلمية التي لا تقبل المساس بها أو التخلي عنها.

وكما ذكرت فقد جاءت ملاحظاتي الأساسية المتواضعة منهجية فنية، أما الموضوعية التاريخية فسأتركها للأفاضل ذوي الاختصاص الدارسين للتاريخ الليبي والعلوم السياسية، وأبرز ملاحظاتي هي:

 

أولاً: كُتبت ونُشرت الأطروحةُ بلغةٍ عربية تكسرت كثيراً بشكل لا يمكن قبوله من كلِّ غيور على اللغة العربية المقدسة، لغة القرآن الكريم، وأحكام صرفها وضبطها النحوي، حيث لا يمكن القبول بنصب الفاعل ورفع المفعول به. وسلامةُ اللغة أساسُ أيِّ عملٍ، لأنه لا يستقيم المعنى ما لم تستقم اللغة، وبالتالي فالأطروحة تحتاج إلى الكثير من المراجعة والتصويبات النحوية التي ظهرت بشكل مشين في هذا العمل البحثي التوثيقي المهم.

ثانياً: غلب على الدراسة الجانب السردي المجرد لأحداث التاريخ، والاقتباس المعزز من مصادر ثرية متعددة، والربط بينها دون أن يتضمن ذاك السرد الممتع تحليلاً عميقاً لمجرياتها، أو تفسيراً، أو رأياً أو وجهة نظر الباحثة في سياق الموضوع، وبالتالي غاب صوت ورأي الطالبة الباحثة، وفقدت الأطروحة إضافة تراكمية خاصة كانت ستكسبها دراسة تاريخ وسيرة الملك الراحل إدريس السنوسي رحمه الله.

ثالثاً: المتصفح للكتاب الأطروحة يجد أنها لم تعتمد منهجاً موحداً في كتابة الأرقام المدونة بها، فتارة نجد الأرقام العربية، وتارة أخرى وأحياناً في نفس الصفحة، نجد الأرقام الهندية التي ألغي استعمالها في ليبيا منذ عقود.

رابعاً: استعمال أسماء الشهور السريانية أو الرافدية في اللغة الأرامية (آذار، نيسان، آيار، حزيران …)، والتي هي غير مستعملة أو متداولة في ليبيا (الفضاء المكاني للدراسة البحثية)، إضافة إلى أسماء الشهور الرومانية المعربة عن اللغة اللاتينية مثل (يناير، فبراير، مارس …) وكان الأجدر بالباحثة الإبقاء على اسم الشهر كما ورد في الوثيقة المرجعية الأصلية وفتح قوسين معكوفين […] وإضافة الاسم باللغة الأخرى أو أي توضيح حول ذلك. والمثال على هذا، ما أوردته الباحثة في ثبت مراجعها بالصفحة رقم 414 (أ- الصحف العربية) بند 5 (طرابلس الغرب، طرابلس، 12 آيار 1949) فهل نجد وثيقة هذه الصحيفة مؤرخة فعلاً بالشهر السرياني “آيار”؟

خامساً: تضمن الكتاب الأطروحة ثمانية ملاحق، وقد جاءت معظمها للأسف بلا عناوين، وظهرت غير واضحة بشكل دقيق يخدم موضوع البحث مما أفقدها أهميتها رغم الإشارة إلى المصادر المصورة أو المستنسخة منها.

سادساً: مراجع ومصادر الأطروحة كانت ثرية ومتعددة من حيث تنوعها ولغاتها العربية والأجنبية وتواريخ أزمنتها القديمة والحديثة، وهذا جهد كبير يحسب لها وتشكر عليه الباحثة وأثمنه عالياً، إلاّ أن مرجعاً مهماً غاب عن هذه الدراسة الأكاديمية الرائعة والذي يتضمن الكثير من المعلومات القيمة عن الفترة (1950-1952) وهو كتاب أول مبعوث لهيئة الأمم المتحدة إلى ليبيا السيد ادريان بلت الصادر باللغة الانجليزية سنة 1970 بعنوان (Libyan Independence and the United Nations) وترجمته (الاستقلال الليبي والأمم المتحدة) والذي يمكن أن يضيف الكثير من المعلومات للدراسة أو يصحح بعض ما ورد بها.

سابعاً: جاءت فصول الكتاب متقاربة في عدد صفحاتها وتراوحت بين 40 و 60 صفحة، مما قد يعطي انطباعاً بأن الدراسة البحثية كانت متوازنة في مواضيع فصولها وأبوابها، وهذا غير دقيق لأن الأحداث كانت متفاوتة موضوعياً من ناحية أهميتها في مسيرة ليبيا وحياة الملك الراحل إدريس السنوسي رحمه الله.

ثامناً: مقدمة الفصل السادس جاءت غزيرة بالأسئلة الجيدة التي كان من المفترض أن تظهر إجاباتها في ثنايا أسطره اللاحقة، إلاّ أن استهلال هذا الفصل بعنوان فرعي جانبي هو (غضب إدريس على البريطانيين) وتأخر التصريح مباشرة بمشروع “بيفن – سفورزا” كان انحرافاً عن تلك الأسئلة المهمة وغير متوافق مع منهجية الفصل، فالأولى هو إبراز المشروع الاستعماري الشهير في تاريخ ليبيا بدلاً من ذلك العنوان الجانبي غير الواضح.

تاسعاً: إن حادثة التصويت على قرار استقلال ليبيا بالجمعية العامة للأمم المتحدة ودور ممثل دولة هاييتي السفير “آميل سان لو” كانت تستحق نشرها مفصلة بعنوان جانبي بارز في الكتاب، وذلك لما لها من أهمية تاريخية ودور حاسم في قضية استقلال ليبيا، بدل وضعها في هامش صغير والمرور عليها بشكل عابر في ذيل الصفحة.

عاشراً: جاء استعراض مواد الدستور الليبي وشرح بعضها بشيء من التفصيل، سرداً يحتاج إلى أسانيد نصيّة تعززه، أفلا يستحق الدستور الليبي ذلك المنجز القانوني الاجتماعي الوطني المبكر في تاريخ دساتير الدول العربية أن ينشر نصه كاملاً ضمن ملاحق الدراسة لما يمثله من تعزيز لذاك السرد الذي تفضلت به الباحثة، وتوثيق لمسودة هدف وطني تحقق في ظروف محلية ودولية غاية في الصعوبة ووسط تحديات إقليمية عديدة ظاهرة ومبطنة؟

وأخيراً فإن مجرد التفكير في الكتابة عن تاريخ ليبيا أو أحد شخصياتها أو رموزها الوطنية من باحثة عربية يستحق منا كليبيين كافةً الكثير من الثناء والشكر والامتنان بصرف النظر عمّا تحمله تلك الكتابة من إيجابيات وسلبيات، أو قصور منهجي أو معلوماتي لأنها إجمالاً تعكس دور النخب العربية العلمية والثقافية في تجسيد مباديء غرس رسالة الأمة الواحدة والوطن العربي الكبير الممتد من المشرق إلى المغرب والانشغال بقضاياه المختلفة، وفي إطار هذا الإحساس القومي يأتي صدور كتاب (محمد إدريس السنوسي ودوره في استقلال ليبيا 1890-1952) في بلدنا العراق الحبيب واهتمام طلابه وأساتذته وجامعاته بقطر عربي يبعد وفق منطق الجغرافيا الطبيعية آلاف الكيلومترات. كما أن إنجاز هذا العمل بروح الباحث المؤرخ للأحداث بحيادية وشفافية مطلقة، مغايراً كلياً لقراءة وكتابة السياسي ذات الغايات والأهداف الضيقة المحدودة المتمشية مع شعاراته البراقة يحسب له ويضاعف صدقيته وقيمته المعلوماتية، ويجعله مرجعاً جديداً يعين الكثيرين في بحوثهم ودراساتهم وليس مجرد كتاب عادي يصطف على أرفف المكتبات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى