باريس تقتلع تمثال البوعزيزي !!
الهادي شليق
باريس مدينة الجمال والنور والحب والفن لم تعد كما هي فباريس اليوم ليست باريس الامس فالدخان يعبق في أرجائها والحرائق تلتهم سياراتها الفارهة و ألسنة النيران تلاحق محلاتها الراقية وحكومتها تستنفر كل قواها ورجال الأمن بعشرات الآلاف مدججين بالسلاح وعلى ظهور مركباتهم القتالية تعج بهم الشوارع التي لم تعد أنيقة ولَم يتمتع رئيسها بالهدوء والطمأنينة التي تمتع بها سابقوه . باريس التي أقامت تمثالا ” للبوعزيزي ” باعتباره رمزا للانتفاضة والثورة على الفقر والحاجة لابد انها ستعيد النظر فيه وقد تقتلعه من جذوره بعد أن حركت نفس المعطيات والقواسم المشتركة الشارع الفرنسي، متمثلا في اصحاب السترات الصفراء التي طغى لونها على كل الألوان ومباهج عيد الميلاد التي أعدتها باريس، وهي في غفلة من أمر فقرائها وحاجاتهم، فحولوا باريس إلى مصدر إلهام وأيقونة للثورة على الفقر في أوربا وانسكب اللون الأصفر إلى دول الجوار.
“ارحل ” هي الكلمة التي قالتها الشرطية ” فادية حمدي ” بغضب للبوعزيزي بعد أن صفعته وعبثت بمحتويات عربته ذات الألواح، وهي الكلمة التي صارت بعد ذلك شعارا لثورة الياسمين حتى رحل زين العابدين بن علي، ولئن لم يقل الفرنسيون بصراحة لرئيسهم ارحل فان رفضهم لكل التنازلات التي قدمها لهم والرضوخ لمطالبهم التي أرهقت الميزانية الفرنسية يعني أن الأمر تعدى المطالبة بتسويات مالية، وعقد صفقات سرية أو علنيه مع السترات الصفراء، وان شيئا يدور في أفكار هؤلاء الفقراء قد يرفع عنه الستار قريبا .
فالفقر والحاجة والغبن محركات أساسية للثورة في البلدان الديمقراطية والدكتاتورية على حد سواء وأقسى وأعنف الثورات هي ثورة الفقراء، سواء أكانوا أصحاب العيون الزرقاء والبشرة البيضاء أم السود أو الجنس الأصفر، فالإحساس بالجوع في البطون الخاوية واحد وهو ما عرفه الرئيس الفرنسي “ماكرون” وعرفته أوربا وأمريكا، وبلا شك أن حكوماتنا العربية تعرفه جيدا فاحذروا ثورة الفقراء قبل أن يعمكم اللون الأصفر