بعد أشهر من صدور تقرير البنك الأفريقي للتنمية: هل تحقق نمو للاقتصاد الليبي أم ازداد انكماشا؟
في تقريره الصادر أواخر العام الماضي، أشار البنك الأفريقي للتنمية إلى أن الاقتصاد الليبي كان الأكثر تأثرًا بثلاث صدمات، حيث رهن سرعة الانتعاش جزئيًا بانتعاش في مستوى أسعار النفط، متوقعًا نموًا بـ54% في 2022، ما من شأنه أن يساعد البلاد على تعويض أكثر من نصف خسارتها في العام 2020 ، لكن البنك حذر في المقابل من مواصلة السلطات الليبية الاعتماد المفرط على الاستدانة الداخلية لتأمين احتياجاتها التمويلية.
ففي التقرير الذي حمل عنوان “آفاق الاقتصاد في شمال أفريقيا”، قال البنك الأفريقي إن اقتصادات شمال أفريقيا شهدت ثلاث صدمات، تمثلت في جائحة “كوفيد-19″، وانهيار أسعار النفط، وتراجع السياحة المفاجئ، مرجعًا سبب الانكماش في مستوى النمو إلى انخفاض المبادلات التجارية للمنطقة مع شركائها الأوروبيين، مع تباطؤ أقل خطورة مما كان متوقعًا نظرًا لتدخل الحكومات السريع للتخفيف من مضاعفات الجائحة.
وسجّل التقرير تفاوتًا للانكماش الاقتصادي في دول شمال أفريقيا، حيث سجّلت ليبيا (-60.3%) وتونس (-8.8%) والمغرب (-7.1%)، لتصبح الدول الثلاث الأكثر تأثرًا من الأزمة، في حين كانت مصر واحدة من البلدان القليلة في العالم التي سجلت نموًا إيجابيًا بنسبة 3.6%..
وبالنظر إلى التقلبات الشديدة وعدم القدرة على التنبؤ المحيط بالبيئة الاقتصادية، فإن التوقعات الموثوقة لليبيا ليست ممكنة إلا على المدى القصير، لكن بالنظر إلى التقدم الأخير في مفاوضات السلام الليبية وعودة إنتاج حقول النفط، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط، فمن المتوقع أن يتعافى النمو بشكل أسرع، ويتوقع بنك التنمية الأفريقي نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 37.5% في العام 2021 و54.9% في العام 2022، وذلك بناءً على افتراض حدوث تعافٍ مع تدفقات رأس المال الكبيرة. ومثل هذا النمو من شأنه أن يساعد ليبيا على تعويض أكثر من نصف خسارتها في العام 2020.
وكشف البنك الأفريقي للتنمية عن لجوء بلدان المنطقة لاستراتيجيات مختلفة للاقتراض لمواجهة احتياجاتها التمويلية، إذ فضلت بعض الدول مثل ليبيا والجزائر الاعتماد على الاقتراض الداخلي بينما اختارت موريتانيا وتونس الاستدانة من الخارج بكثافة، فيما فضلت مصر والمغرب المزج بين الأسلوبين بالاقتراض من الداخل والخارج.
وسجل التقرير حصول تغييرين رئيسيين في هيكلة الديون في بلدان شمال أفريقيا يتعلق الأول في الارتفاع القوي في حجم الاقتراض بالعملات الأجنبية بنسبة 88% بين سنتي 2015 و2020، مما يعرض هذه البلدان لمخاطر الصرف. أما الثاني فيتمثل في ارتفاع الديون الخاصة المرتبطة بطرح سندات سيادية في الأسواق المالية العالمية بنسب فائدة عالية جدًا وآجال استخلاص أقصر.
وحسب التقرير، من الضروري تحسين جدوى الدين العمومي وتقوية آثاره الإيجابية على المواطنين، إذا ما أحسنت هذه البلدان استخدام الأموال بشفافية ونجاعة لتمويل الاستثمارات المنتجة في البنية التحتية أو لإنعاش اقتصاداتها، وبذلك يمكنها بسهولة سداد ديونها.
وأوصي التقرير بأن تقوم دول المنطقة بتعبئة المزيد من الموارد الداخلية لتلبية احتياجاتها التمويلية وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات مالية وتشجيع الاقتراض بشروط ميسرة وبآجال سداد أطول إلى جانب مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بشكل فعال.
ولتحفيز الانتعاش الاقتصادي على المدى القصير، أكد التقرير الحاجة إلى الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وتيسير الوصول إلى التمويل وتدعيم قدرات المؤسسات الصغرى ومتوسطة الحجم وتقوية أسواق السندات المحلية.
أما على المدى الطويل، فقد دعا التقرير إلى إصلاحات من شأنها تعزيز التنوع الاقتصادي وتنويع الأسواق والابتكار التكنولوجي وخلق فرص العمل على نطاق واسع وكذلك تنويع الصادرات والاستثمار في البنية.
والسؤال .. هل تحقق شيء من هذه الاستحقاقات؟