تآكل للروح
هناك امور رغم ايماننا بها لا نتآلف معها مطلقا، مهمها حاولنا اقناع ادمغتنا بانها اتية لا محالة، ومنها الموت. نعم الموت، لا تقضب جبينك وانت تقرأ فتلك حقيقة!! نقب في جوفك وستدرك انني على صواب. ونحن نحوم بين صفحات التواصل الاجتماعي يوميا نجد العشرات من اخبار الوفيات، ونقرأ عبارات ملؤها الاسى، لشخوص مختلفي الاشكال، الالوان، الانتماءات، والهوية الثبوتية، نتعايش مع ما يكتبون ونستشعر احساسهم رغم عدم معرفتنا بمن رحلوا، وتلك هي المفارقة، او ان ذلك هو مربط الفرس، اننا ندرك تماما ان من غادر استعجل الرحيل، حتى وان عاش من العمر اكثره، فهناك الكثير من الاحاديث التي لم تنتهي بعد، وهناك تفاصيل كان يجب ان يشهدوا على حدوثها. كنت كلما قرأت نص غادة السمان “الموت الشهي” اقف عند العنوان وتغيب عني كلمات النص، كيف يكون الموت شهيا؟؟ كيف نتلذذ به؟؟ وهو القادم كقطار يقتطف في طريقه زهور الحياة، دون شفقة على القلوب ودون رحمة، ولكن ابداع غادة والذي كما وصفه البعض بانه تمرين صوفي بين الولادة والموت، كان ينتشل استغرابي من متاهة التفكير، فأصمت متأملة في الفضاء دون تحديد نقطة معينة. البعض يرى ان الخريف العربي قد صالحنا مع فكرة الفقد، ولكن ذلك غير صحيح، ولعل في نحيب الرجال خير دليل على عدم تقبل الانسان لفراق اخر، فحتى عدوك عند علمك برحيله تتألم، وما ان يغيب ذاك الاحساس فاعلم انك انت الميت وانك قد غادرت الحياة دون عودة، ففي وخزات الالم حياة. الفقد هو نهش للروح، وتفريغ لها، لذلك نجد من حولنا اناس يسيرون هائمين كاشباح، لا يدركون على أي ارض يضعون اقدامهم، فقد سلبت ارواحهم قطعا، بفقد عزيز، وماعاد للحياة طعم. لذلك يجب علينا ان لا نعيش في جلباب البخل العاطفي، فلنتفاعل مع كل ما حولنا ولنجاهر بالحب، ونتفنن في طرق التعبير عنه، ولنطبطب على بعضنا قبل ان يدركنا او يدركهم الموت، فالتكلس الذي نعيشه هو شكل اخر من اشكال اللاحياة، كما ان الندم الذي يلحق بنا اشد فتكا من الفراق في حد ذاته، فكم من العبارات التي بقيت مغروسة في الحلق ولم تخرج، وكانت في لحظة سبب لسعادة من مضى، وكم من العتاب المركون في زاوية من زوايا الجوف، كان بحاجة لتحريكه وطرده وتنظيف المكان من اثاره قبل انقضاء الوقت، فنحن في سباق دائم مع عقارب الساعة ولا ندري في أي وقت ستتحول تعرجات النبض الى خط مستقيم؟
فيحاء العاقب