تجربة المريض

د.علي المبروك أبوقرين
تجربة المريض ( patient Experience ) من الركائز المهمة والجوهرية في تقديم رعاية صحية شاملة وفعالة ، وتعتبر مؤشر على جودة وفعالية النظام الصحي الذي يسهم في تحقيق رعاية صحية تتموحر حول المريض ، وهي مجموعة الانطباعات والمشاعر التي يكونها المريض في رحلة تفاعله مع حزمة الخدمات الصحية التي يؤمنها النظام الصحي ، وسهولة الوصول إليها والحصول عليها ، وبيئة الرعاية من نظافة وترتيب وانشراح وتهوية واضاءة وغيرها ، وأساليب التواصل وجودتها خلال مسيرة العلاج مع الكوادر الإدارية والصحية والخدمية ، ودرجات الاحترام والتعاطف والخصوصية والكرامة والأمان والشفافية ، ومدى المشاركة في اتخاذ القرار وخطط العلاج المقررة ، وتجربة المريض تعتبر عنصر إستراتيجي مهم في تطوير وتحسين جودة الخدمات الصحية ، وتعتمد على ثقافة المريض الصحية لإنها هي العامل الأساسي في تفعيل مفهوم تجربة المريض الواعي بحقوقه وواجباته ، والمتفهم لدوره المحوري في رحلة العلاج ، ولهذا تأتي الثقافة الصحية والتوعية الصحية المجتمعية من أولويات النظام الصحي ، وتجربة المرضى تتفاوت نتيجة عوامل عدة نفسية وصحية واجتماعية وثقافية واقتصادية ، وتحتاج إلى التوازن بين الموضوعية والتجربة الذاتية ، والتفريق بين المفاهيم الأساسية والتركيز على الوقائع القابلة للقياس بأدوات التقييم المنطقي مثل الاستبيانات المبنية على الأدلة والاستبيانات النوعية والتفسيرية لفهم السياقات العاطفية ، والمقارنة بين التوقعات والتجربة ، وقياس الفجوات بينهم مع دمج التقييم العاطفي مع التحليل العقلاني ، وتحليل التفاوتات على خلفيات الفروقات في التجربة بناء على النوع والعمر والحالة الصحية والخلفية الثقافية ، مع ضرورة الربط بين البيانات السريرية لمقارنة التجربة مع النتائج ، والتقييم المنطقي لتجربة المرضى يتطلب أدوات قياس معيارية ومحايدة ، وبيانات نوعية وكمية ، وفهم تام وعميق للخلفيات الثقافية والاجتماعية والنفسية ، وفي المجمل تحليل الانطباعات يوفر بيانات مهمة تساعد في تحديد مواطن القوة والضعف ومجالات التحسين في النظام الصحي ، ولهذا فإن التجربة الإيجابية تعزز الإلتزام بالعلاج والخطط العلاجية وتزيد من فرص التعافي ، وتعزز الثقة في النظام الصحي ، وتساهم في الارتقاء بكفاءة النظام وتحسين الأداء الإداري والطبي والخدمي ، وتحسن بالضروره الرضا العام ، ما يعزز من الروح المعنوية لدى الكوادر الصحية ، ولهذا يتم التركيز على ضرورة تضمين تجربة المريض في النظام الصحي وادماج التجربة في الرؤية والسياسات الصحية ، وجعل التموحر حول المريض أولوية إستراتيجية ، وتضمين مؤشرات التجربة في الخطط الوطنية والاسترتيجيات الصحية ، وسياسات صحية تلزم المؤسسات والمرافق الصحية بقياس وتحسين تجربة المريض ، وإنشاء إدارات مختصة في ذلك في كامل تسلسل الهياكل التنظيمية من قمة النظام الصحي إلى أصغر نقطة فيه ، تعمل على تحقيق رضا المرضى وتستقبل الشكاوي وتحلل البيانات ، وهذا يتطلب تدريب وتأهيل الكوادر الصحية على مهارات التواصل الفعّال ، والتعاطف وفن الاستماع ، واحترام الخصوصية وصون الكرامة ،
وهذا يحتاج لإدماج تجربة المريض في مناهج التعليم الطبي والتمريضي والفني ، واستخدام الوسائل والوسائط التكنولوجية لتسهيل الوصول والحصول على المعلومات والخدمات الصحية ، مع ضرورة إدماج التجربة في مؤشرات الأداء وربطها بالحوافز والتقييمات الوظيفية ، وكل هذا يساهم في بناء نظام صحي يتمحور حول الإنسان ، ويضمن تجربة علاجية آمنة وسهلة وانسانية ومحفزة ، ويرسخ ثقافة الرعاية المرتكزة على المريض تدعم التعاطف والإحترام والكرامة والخصوصية ، وتدمج التجربة في الحوكمة ، وهذا ما تأسست عليه الخدمات الصحية بمستشفيات العالم العربي والاسلامي منذ ثمانية قرون بتوفير العلاجات الناجعة والأطباء المهرة والفصل بين التخصصات والنوع ، وتقديم أطيب الاطعمة ، وتوفير المكتبات والموسيقى ، وتعويض المرضى عن فترات العلاج والنقاهة ، وتطبيق نظام الحوسبة ، والتي تأسست عليه مفاهيم النظم الصحية والمستشفيات في العالم ..