تحقيق اجتماعي .. الطلاق والكورونا !
آسيا الشقروني
قبل عشر سنوات كنت في سوق الحرير في باب المشير، وكنت في متجر محدد لأشتري الحرير ، وسألت التاجر كيف أحوال السوق والبيع والشراء جاوبني “ فتحوا التعيينات وتوا تتحرك الدنيا “ إستغربت الاجابة ولكنه وضح لي أنه بفتح التعيينات تتحرك العجلة وتتم العديد من الاعراس، وتحدث حركة في بيع وشراء الحرير.
عندها عرفت أن ما يمس الاقتصاد او البلاد يمس المجتمع بطريقة مباشرة فما بالك اليوم بحال وباء الكورونا الذي أثر على العالم أجمع صحياً وإقتصادياً، وإن كان لوباء الكورونا العديد من التأثيرات الإجتماعية ومنها التغير في العديد من العادات وتطورها منها التطور السلبي ومنها التطور الايجابي،،، ولكنني اليوم بصدد رصد ظاهرة معينة وهي ظاهرة الطلاق خلال هذه الثمانية أشهر المنصرمة.
ركزت الحكومات في كل العالم وليبيا من ضمنها على اهمية الوقاية الصحية وأخذ إجراءات الحيطة من التعقيم والتطهير والتباعد ولكن لم يكن الى اليوم هناك أية برامج في التوعية إية إشارة أو تنويه للحالة النفسية ، أو الازمة التي قد يمر بها الإنسان سواء أكان مخالطاً لمريض، أو فاقد لعزيز، أو متضرر إقتصادياً من وباء الكورونا.
وأكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن الفجائع الناتجة عن فقدان الاحباب بسبب الموت، والعزلة، وفقدان الدخل المادي، والخوف العام، تؤدي جميعها لظهور حالات صحية نفسية، أو تفاقم الظروف النفسية القائمة، وقد يواجه العديد من الاشخاص مستويات متزايدة من الأرق والقلق وتعاطي الكحول والمخدرات أو حتى تعاطى الأدوية المهدئة أو المنومة.
وجائحة كورونا ثبت أنها تؤدي إلى مضاعفات عصبية وعقلية، مثل الهذيان والسكتة الدماغية ونوبات من البكاء، والاشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو عصبية موجودة لديهم مسبقاً هم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى وربما تكون إصابتهم شديدة تؤدي حتى إلى الموت.مما يزيد من تأكيد التأثير المدمر للجائحة ويحث التقرير على زيادة الإهتمام بالناحية النفسية للمواطنين.
نستخلص من تقرير منظمة الصحة العالمية جسامة التأثير النفسي على الأفراد وهذا أدى بشكل خاص لتفاقم حالات الطلاق بشكل خطير جداً، حيث سجلت معظم بلدان العالم تزايد حالات الطلاق منذ بداية هذه الجائحة، والبلدان العربية لم تكن بمنأى عن إرتفاع هذه المعدلات حيث فى معظمها سجل تزايد فى حالات الزواج مع بداية الازمة، وبعد شهرين تراجعت معدلات الزواج لترجع لمستواها المعتاد في حين زادت معدلات الطلاق بشكل مخيف حيث وصلت معدلات الطلاق في السعودية مثلاً إلى تسعة أضعاف معدلها العادي، وفي سوريا تضاعف خمس مرات فوق معدله الطبيعي.
ونحن هنا في ليبيا أيضاً تضاعفت حالات الطلاق للضعف، وكانت أكثر شريحة هم الازواج الجدد، بمعنى من لم تتجاوز الخمس أو السبع سنوات، والاسباب التي أدت إلى الطلاق كثيرة وسنورد البعض منها:
التواجد في مكان محدود
لو حسبنا الساعات التي يلتقي فيها الزوجان خلال اليوم نجد أنها لا تتعدى السبع ساعات يومياً، بين ساعة بعد الإستيقاض صباحاً والخروج للعمل وربما ساعتين وقت الغذاء والباقي في المساء قبل النوم، إذن البقاء في المنزل لمدة وفي مساحة مهما كانت تعتبر محدودة نشوء مناخ سلبي وبالتالي الإلتفات إلى أشياء ليست ذات قيمة والميل لإفتعال المشاكل بشكل أو بأخر.
أساليب الحماية
يختلف معظم الازواج بنظرتهم لفيروس كوفيد-19 فنجد أحد الزوجين يأخذالموضوع بكل جدية بينما الشريك غير متهم بنفس الدرجة، ففي حين يرى أحدهم أن الاخذ باسباب الوقاية وشراء ما يلزم من كمامات ومطهرات وأساليب التباعد يرى الاخر أن هذا إهدار للمال، مما يؤدي إلى تبادل الاتهمات ونشوء الخلاف بينهما.
الحالة الإقتصادية
لو أن الحالة الاقتصادية لجميع أسر العالم تضررت بشكل أو لأخر من الوياء كورونا ، فإن الوضع مضاعف داخل ليبيا حيث أزمة الحروب والأهم أزمة السيولة لآصحاب المرتبات وتعادلها توقف أعمال أصحاب المشاريع الصغرى بمعنى أصحاب المحلات والحرفيون، ولم يُبقي غلاء الاسعار، فسحة للشريكين حيث إضطرت الاسر إلى التخلي على الكثير من الاشياء التي كانت تعتبر ضرورية، أو على الاقل التقليل منها.
مملكة المراءة
إذا إعتبرت المراءة أن البيت ممكلتها وأنها الوحيدة المعنية بشوؤنه لفترة طويلة، هذا يجعلها غير محتملة لفكرة تدخل الزوج في وضعية الاثاث أو طريقة طبخ الاكلة الفلانية أو طريقتها في معاملة الاطفال، وهذا التدخل يكون بذرة طيبة لنشوء المشاكل وتفاقمها.
تواجد الزوج
كثرة تواجد الزوج في البيت حد من حرية الزوجة في كب شي سواء في إنتقاء يرامجها التلفزيونية، أو مكالمتها التليفونية، أو أوقات إنشغالها بهاتفها، وهذا بالتساوي مع الرجل حيث كان يقضي أغلب مصالحه خارج البيت والان هو مسؤول على كل كلمة عليه التفوه بها في البيت.
الحرمان
إذا كانت المراءة معتادة الى حد ما على المكوث داخل البيت ، فهذا شي بالتأكيذ لم يتعود عليه الرجل الليبي بتاتاً، وهذا مما يجعل منه عرضة لسورات من الغضب المستمرة، وما يقابلها من حالات نفور من الزوجة.
الاطفال
وضع الاطفال في نمط حياة لم يألفوه من قبل، فكل ما يستجد نتيجة لهذا الوضع على الوالدين تحمله والتعامل معه، من نزاعات صغيرة ومعارك مشتعلة، ونزاعات مُلكية على كل شي، وهذا مما يجعل على أحد الوالدين التدخل لفض هذه النزاعات والمساهمة في الترفهيه عنهم ، وعادة ما يقع هذا على أحد الشريكين دون الاخر وهذا بدوره يتراكم حتى يسبب مشكلة بذاته.
تفريغ الشحنات
عدم خروج الزوج لعمله او أصحابه وأيضا عدم زيارة الوجة بيت أهلها او صديقتها وبالتالي تفريغ كل كمهما شحناته السلبية، أدى إلى تراكمها وصعوبة التعامل معها، وبالتالي مشاكل صغيرة تطورت على وأنتجت مشاكل أكبر منها وأخطر.
الإكتئاب
حتى لو إختفت كل المشاكل السابقة الذكر من منا لم يتعرض لموجات من الإكتئاب مجهولة السبب، والتي ربما تدوم يوم أو يومين أو أكثر، وما ينتج عنها من حالات حزن متضاعفة.
معرفة الشريك
بعد هذه الازمات وكل المشاكل سابقة الذكر وتعامل كل شريك بطريقة مختلفة معها، أدى ظهور نواحي في شخصية أحدهما يجهلها الاخر، وهذا يجعل أحدهما يقف وقفة تأمل ويتسأل” مع من كنت أعيش طوال هذا الوقت؟؟؟،،،، وهل مازلت أستطيع أن أستمر معه رغم ما ظهر منه؟.
العنف المنزلي
شهدت الكثير الكثير من العائلات تزايد حالات العنف، ولا داعي للقول العنف الواقع على المراءة من الرجل، سواء أكان العنف لفظي أو جسدي أو معنوي، حيث جعل بعض الازواج تفريغ طاقتهم السلبية بهذه الطريقة، واكثر الحالات كانت معنوية حيث يتم تحقير الطرف الأخر وكل ما يقوم به من مهام في البيت.
الخلاصة
جائحة الكورونا شئ مستجد بالنسبة للعالم أجمع، وبات معروفاً أنه يطيح بالعلاقات الزوجية وإنهيارها مما يؤدي بها إلى الطلاق، وصار لزماً على مؤسسات الدولة تقديم الدعم المعنوي وتوفير مراكز الاستشارة النفسية والزوجية، وإن كنا كمجتمع ننظر دائما للطب النفسي على أنه علم وتخصص لا طائل منه ، في حين أنه له كل الأهمية في المساعدة على الإستقرار النفسي.
نتمنى للجميع السلامة الجسدية والفكرية، وحياة زوجية سعيدة.