حول الثقافة والمثقف 3 / 3
محمد الككلي
في كتابه ” الدين والسياسة بين تهافت العلمانيين وقصور الإسلاميين ” يقول سامي براهم ” أن المجتمعات البشرية لا تتطور إلا من داخل أنماطها الثقافية بإصلاحها وتجديدها وتثويرها ، وإعادة إنتاجها بشكل يلبي الحاجات المستجدة للراهن التاريخي ” . لكن السؤال القائم لماذا أخفقت المجتمعات العربية في تحقيق الانتقال السلمي والأمن إلى الديمقراطية وتكريس مفهوم المواطنة والقبول بالاختلاف وعدم إقصاء الآخر ؟؟ . يقول براهم : إن فساد النخب العربية وعجزها عن أن تكون بديلا لأنظمة الاستبداد فضلا عن ارتهان لفيف منها لهذه الأنظمة بشكل إيجابي من خلال إضفاء المشروعية على سياساتها والتسويق لها مقابل الحصول على مكاسب مادية، أو من خلال اتخاذ موقف سلبي مقابل الحصول على الأمن الذاتي ‘ ويرى براهم ،أن هناك تقييمات تجعل من المثقف أساس البلاء بانخراطه في مشروع السلطة الحاكمة وخيانته لمجتمعه وقبل ذلك لقيمه الأخلاقية والإنسانية، ونحن نقرأ هذه الآراء في مختلف السياقات التي تتفاوت بين المعرفي والأيديولوجي، لذا نرى الحاجة المعرفية الضرورية لتناول هذه الإشكالية بالتحليل والتمحيص في موضوعية ودون انحياز ‘ يقول فوكاياما في كتابه ” الثقة – الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار ” ، في أحد الكتب الشائعة لعلم الإنسان ” وهو العلم الذي يبحث في الثقافات الإنسانية المختلفة ” يقدم المؤلف ما لا يقل عن أحد عشر تعريفا للثقافة، بينما عدد كاتب آخر مائة وستين تعريفا للثقافة استخدمها علماء الانثربولوجيا وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم، ويصر علماء الانثربولوجيا الثقافية، على أنه لا توجد نواح ثقافية مشتركة بين جميع المجتمعات البشرية، لذلك يستحيل ترتيب العوامل الثقافية في قوانين عالمية، ولا يمكن تفسيرها إلا من خلال ما يطلق عليه كليفورد غيرتز ” الوصف الكثيف ” ،وهو عبارة عن أسلوب اثنوغرافي يأخذ بعين الاعتبار تنوع كل ثقافة فردية وتعقيدها، وتصبح الثقافة في رأي كثير من علماء الاقتصاد، أداة أو وسيلة أخيرة تستخدم لتفسير كل ما لا يمكن للنظريات العامة للسلوك البشري إيجاد أسباب أو تفسيرات له، ولكن يمكن أن يكون للثقافة عقلانية تكيفية عميقة وان كان ذلك غير واضح للوهلة الأولى ‘ الغريب في الأمر أن الكثيرين يؤمنون بأن هناك ثقافة ” كونية ” رغم أننا لازلنا نبحث عن تعريف لمعنى المثقف ودوره، والثقافة التي تم اختزالها في نشاطات موسمية هزيلة ليس لها أثر في الواقع، ولأننا نفتقد إستراتيجية طويلة الأمد فقد أصاب ثقافتنا العجز عن مواجهة الثقافات الوافدة التي رسخت بدورها أنماط سلوكية غريبة ومستهجنة .