رموز في سجل تخلفنا
خليفة الرقيعي
الإصلاح في أوضاعنا يستعجب استكمال الظروف الملائمة لإتمام تجهيز عمليات بنائنا الثقافي والمهني الوظيفي حتى تستطيع تفعيل واستثمار التعب والعرق والجهد، لقد داهمتنا ظروف لم تكن في الحسبان ولا نود أن نثقل القارئ الفاضل بتفاصيلها.
هذه الظروف كانت نتيجة حدوث خلل في تقديراتنا واستعداداتنا، فضاعت صفحة مجيدة كاملة من تاريخ ليبيا، ولم يكن هناك أي سبيل لتفادي وإصلاح هذا الخلل، فقد وقعت الواقعة, وقد يكون الذي تعرضنا له نوعا من ضربات القدر وسوء الحظ، وعلى أي حال فالتحدي والسيادة دائما لها ثمن، وأي ثمن، والمطلوب هو أن نعمل من الآن فصاعدا، وبقصارى جهودنا لئلا تتكرر مثل هذه الأخطاء ولكل جواد كبوة.
اهتماماتنا بقضايانا الليبية، وفي هذه الفترة بالذات، تحتم علينا معالجة بعض الرموز في سجل تخلفنا الحاضر، فبعضها ساخنة ومستعجلة ويجب أن تكون في قائمة الأفضليات لاهتماماتنا، أولى هذه الرموز وأشدها فضاعة هي مصارفنا على اختلاف اسمائها ومواقعها الجغرافية، فهي مستمرة في تعاظم إخلالها وتناقضاتها لمعظم النظم والمهام المصرفية المتعارف عليها في العالم وتعيش أعلى درجات غطرستها كما لم يحدث من قبل ويرجع هذا وذاك إلى غياب الردع القانوني والجماهيري لانتهاكاتها.
الضوابط المصرفية المعمول بها في حاضر ليبيا، في الواقع في أضيق نطاق لها ولايحسب لها أي حساب رغم أن هناك من الضمائر الليبية السياسية الحية التي تؤمن بأن إصلاح مصارفنا يجب أن تكون في مقدمة أولويات السياسة الليبية.
ولكن هؤلاء بلا نفوذ واجتهاداتهم لاتزيد عن التمني، ولأنهم يتعرضون إلى الضغوط من كل جهة فهم كمن يذهب إلى مبارزة الخصم المسلح وهو أعزل.
لا ننكر أن هناك مناورات سياسية مصرفية على نطاق أوسع ضد الكبير الفقير، ذات مد وجزر وتغيرات في المواقف جدية ومضحكة، كثبان الرمل السياسية الليبية،والمصرف المركزي الليبي على غير استعداد للتنازل قيد أنملة عن ما هو عليه الآن لتأكيد إدارة ذاتيته وسيادته المطلقة ، ولانعتقد أنه ينوي أو يريد الضغط على هذه المصارف أو إصلاحها رغم أن أساليب المعالجة بسيطة وغير مكلفة بالمعنى المادي، ولدينا من الآراء ما هو كفيل بالحد من عجز هذه المصارف الخدمية.
القضية تستدعي الاستعجال والسرعة، مصارفنا في وضعها الراهن تمثل الكثير من الأسى وتجسد رمزّا من الرموز التي تزخر بها سجلات تخلفنا ، تصرفاتها باطلة وتقربنا من أبواب العصور الوسطى، إن لم يكن أبعد وأكثر. وقد تصل بنا إلى أعتاب البدائية والهمجية والتوحش فهي ودون الغوص في التفاصيل، تمثل تداعي ثقافتنا وتهافتنا وأيلولتنا للسقوط.