كتاب الرائ

رموز ونجوم في سجل العمر

محمود السوكني

رموز ونجوم
في سجل العمر
■ محمود السوكني
عمَمت إدارة المؤسسة العامة للصحافة كتاب على وحداتها الإدارية تطلب فيه من كل وحدة ترشيح من تراه مناسباً لأداء واجب الخدمة العسكريَة , كانت الدفعة الثالثة فيما أذكر وكنت قد مررت بتجربة مماثلة إلى حد ما في مرحلة الدراسة الثانوية حيث بُدِأ أول تطبيق لها في العام الدراسي 70/1971م بعد قيام الثورة وأحسب أنني كأي مواطن في ريعان الشباب لازالت حمية الثورة ووهجها تستولي على مشاعره وتسلب إرادته وتخضعه لسلطانها , ولأنني سئمت لعب دور (الدوبلير) الذي لايجد من يعترف بجهده ولا من يقدر حجم مايؤديه من عمل ومايتحمله من مسؤوليات , قمت من فوري ودون الرجوع الى رئيسي (رئيس تحرير المطبوعة) بترشيح نفسي لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية عن صحيفة (الرأي) التي أشرف عليها وكأن هذا ماكانت ترجوه إدارة المؤسسة فلا هي إعترضت ولا كلف أحد نفسه عناء السؤال عن السبب ولو مجاملة (!) بل اسرعت بإرسال اسمي مع الزملاء الآخرين إلى إدارة الخدمة الإلزامية التي سبق لها أن أعلنت عن الموعد المقرر للإلتحاق ووجدتني أول الوافدين على «قاعدة معيتيقة» أدلف بوابتها يملؤني الحبور لأداء هذه الخدمة التي وإن كانت إلزاميَة فهي واجب وطني يؤدى بقناعة كاملة في سائر الدول التي تؤمن شعوبها بحقها في الحياة الحرة الكريمة وبأنها- لذلك – ملتزمة بالاستعداد للذود عنها والمحافظة عليها ومواجهة كل من تسول له نفسه التعرض لها بأي سوء , هكذا كان إحساسي الغامر وكانت مشاعري الجيَاشة التي تقودني بحماس إلى داخل القاعدة حتى صادفت عيناي صديق قديم – وقريب فيما بعد- وهو يرتدي البزَة العسكريَة مختالاً برتبته فتقدمت مسرعاً إليه مستبشراً برؤيته في مكان أجهله علَه يفيدني بالنصح بحكم عمله فيه فما كان منه قبل أن أصله إلَا أن نهرني قائلاً: « خُف روحك ياتحفة (!) التحق بمجموعتك « أسرعت متجهماً حيث أمر وأنا أتوجس خيفة وهلعاً مما ينتظرني فإذا كان هذا استقبال من أعرف فما بالك بمن لا أمت إليه بصلة ?! كان الاستقبال الجاف (للضابط الصديق) عنواناً لما هو آت وبداية لكل ماحدث بعد ذلك بل أنه لايقارن بما رأيت وأغلب من في الدفعة من إهانات وما سمعنا من شتائم وما أصابنا من لعنات وما لحق بنا من أضرار وكان كل ذلك يُفسَر على أنه تدريب على تحمل المشاق والصبر عند الشدائد حتى (لانكونوا لقمة سائغة عند العدو حال وقوعنا في الأسر) ! لااريد أن أخوض في تفاصيل تلك الفترة فأغلبنا – فيما اظن – مرَ بذات التجربة بل إن بعضنا قضى فيها سنوات فيما قضى فيها البعض نحبهُ , غير أن كل ذلك لايمنع من القول أن التجنيد الإلزامي واجب حتمي لامناص منه يجب أن نقره ونلتزم به ونفرضه على كل شاب تتوفر فيه شروط التدريب العسكري العام وأن يؤدَيه بكل اعتزاز وفخر , وأن تكون نظرتنا إليه على هذا النحو لا أن يكون سبيلاً للتشفي ووسيلة لتصفية حسابات شخصية أو جهوية على حساب سمعة الوطن وسموغاياته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button