رواية نهارات لندنية – بداية متأخرة وسيرة ذاتية غير معلنة !
رأفت بالخير
فن الرّواية في ليبيا بدأ يجلب اهتمام الكتاب سواء من النساء أو الرجال أو من الشباب ومن كانت لهم تجربة أدبية أكبر عبر القصة أو المقالة والشعر أيضا.
رواية نهارات لندنية للصحفي والأديب الليبي جمعة بوكليب، هي روايته الأولى وجاءت في 120 صفحة، رغم أنه من المخضرمين في كتابة القصة والمقالة لأكثر من 30 عاما.
هذه الرواية تأخذنا بداية من عنوانها إلى عاصمة الضباب لندن، وما فيها من تمازج كبير للثقافات واللغات وإيقاع حياة سريع ومنظم، الذي يحتم على المرء أن يدافع عن وجوده كل صباح، وإلا فإنه سيكون غير قادر على الاستمرار على مواجهة متطلبات العيش في مدينة لا تعترف كثيرا بالعواطف وهو ما جاء على لسان الراوي في الصفحة 80-81 ” مازالت لندن على سيرتها الأولى، ومازالت المدينة التي نفتقدها ولا تفتقدنا، ونحبها ولا تحب غير نفسها!!”
جمعة يواجهنا في هذه الرواية بالأسئلة الصعبة التي يصطدم بها كل مغترب، ويدخل الراوي في سجال مع شخصية أخرى في الرواية حول أسباب الغربة وكيفية النجاح فيها ومواجهة مشاعر الحنين.
حيث تقول حسيبة الجزائرية صديقة بطل الرواية الليبي إن “”من يختار العيش في منفى عليه أن يتعلم أبجدياته. وأبجدية منفانا تبدأ بأن تدوس بقدم صلبة على قلبك، ثم تمضي للأمام قُدما، محرّما على نفسك الإلتفات إلى الوراء. لا حنين إلا إلى المستقبل يا حبيبي.” وتضيف في موقع أخر علّمني العيش الطويل في هذه البلاد ألا أنظر ورائي. كل ما يهمني هو المستقبل” ص40
تأخذنا الرواية إلى مشاكل يعايشها كثيرا أغلب المغتربين، مشاكل اجتماعية أبطالها رجال تزوجوا بسيدات أجنبيات أو حتى سيدات ليبييات، بطل الرواية يعيش وحيدا بعد الانفصال عن زوجته ويرى أولاده مرة واحدة في الأسبوع ويحاول امتصاص تضارب مشاعر الفرح بلقاء أولاده والحزن على فراقهم على أمل اللقاء بعد أسبوع أخر، ويقول” لم يكن أمامي من حل سوى تعلم امتصاص غضبي، على جرعات متفاوتة الحجم، وتعلّم العيش مع ما يمور في قلبي من مرارات، وإحباطات، وأحزان” ص25
يستنجد أصدقاء الراوي به لإقناع سيدة ليبية هربت مع أبنائها إلى لندن من ليبيا وهجرت زوجها لإقناعها بالتواصل مع زوجها والعودة إلى ليبيا، الراوي عند مواجهة هذه الزوجة ظل صامتا مراقبا لمحاولة صديقه إقناع هذه السيدة بالتواصل مع زوجها مغبة الندم، ولكنّ تفاجئ الحاضرين بردها” على أي شيء سأندم؟ هل سأندم على زوج لا أراه ولا يعرف ولديه؟ أم سأندم على اتاحة الفرصة لولديّ كي يحظيا بحياة مستقرة وهانئة وتعلم جيّد؟ أم على تركي لبلاد تنام وتصحو على الفساد والرشاوي وخراب الأخلاق والدين؟ قل لي على ماذا سأندم؟” ص 115
بوكليب في رواية نهارات يسلط الضوء على حدث مهم في تاريخ ليبيا الحديث وهو اقتحام الجيش لحرم الجامعة في طرابلس في 07 أبريل 1976 من خلال شخصية شاركت في قمع طلبة الجامعة وهاجرت بعد ذلك هربا من ليبيا ومن الموت في حروب خاسرة وكاسرة حسب الرواية.
بوكليب لا ينسى أن يستخدم في لغة الرواية بعض المفردات العامية الليبية، وخصوصا في توظيف الأمثال الشعبية الليبية مثل “عْفَسْت في القصعة” و” الطير الحر وقت يُحْصل ما يتخبلش” و “البحرْ فيه كلب”.
بطل الرواية “الراوي” يحاول كتابة رواية عن زوجة تقتل زوجها وهي فكرة مثيرة، يسعى من خلال الحوار الذي يجريه مع شخصيّات الرواية إلى معرفة إمكانية إنجاز عمله الروائي الأول، ولكن الراوي لا يشرع في كتابة روايته وهو بذلك يحيلنا إلى الصعوبة في كتابة الرواية وتشت ذهنه بين الغربة والوحدة.
يمكن القول إن رواية نهارات لندنية هي سيرة ذاتية غير معلنة للكاتب جمعة بوكليب، وإن حملت بين ثناياها جزء من الحقيقة وكثيرا من الخيال، ولكنها تظل بداية متأخرة لكاتب كبير ننتظر منه إنجازات روائية أكبر مستقبلا .
بوكليب ينهي روايته بجملة من كلمتين تقول الكثير حول تجربته الحياتية وهي “تكلم صمتي”.