بكل الألوان
نجاح مصدق
ساقك القدر أم تعثرت قدماك ؟
في إحدى المساءات كان من الممكن أن يكون جالساً مع أفراد أسرته يمضي أوقاتاً لها وقع خاص داخله أو ربما كان من الممكن أن يكون خلف مكتبه يمارس عمله أو خلف مقود سيارته يجوب شوارع العاصمة ويتبضع أو يجري في لهفة لتجهيز منزله ليتشارك فيها ورفيقة الحياة التي تنتظر كل هذا كان ممكناً وأكثر من هذه الاحتمالات كانت لتكون حياة ذلك الشاب الذي تعرض لصعق كهربائي في منطقة أبوسليم خلال الأيام الماضية بعد سقوط الأمطار الغزيرة التي أغرقت شوارعنا وهو يحاول إنقاذ إحدى السيدات العالقة بسيارتها في بركة الماء المغمورة بالمياه أمام سوق النافورة ، هذا الشاب الضحية بسبب أهمالنا وعدم المتابعة من الجهات المسؤولة في شركة الكهرباء عن الأسلاك المكشوفة والتي لم نستعد لمعالجتها قبل أن يباغتنا الشتاء برسائله المسبوقة كانت سبباً لإنهاء حياة شاب ذى نفس خيرة ومعطاء أزهقت روحه وهي وتجود بالخير والمعونة.
هذا الشاب وغيره لم يكن الأول ولن يكون الأخير وقع في حفرة لا رجوع منها في جريمة مُورست ضد حقه في الحياة بكل استهتار وتسيب لتترك أسلاك كهرباء مكشوفة تتدلى وسط الشوارع والمدن عارضة أسهم الموت المخفي خلف تلونها وحركتها الهادئة متروكة بكل تجاهل وتغافل مشين لتصطاد طفلاً كان أو شاباً أو شيخاً أو امرأة دون إنذار مسبق وسط فوضى وعدم الاهتمام و العبثية بأرواح الناس .
الموت ليس نهاية سيئة دائماً كما يعتقد الكثيرون بل راحة من واقع إليم ورحمة من الله تلتقطنا في أجمل لحظات العطاء والإيثار
من المؤسف حقاً أن تصبح الصورة بهذه القتامة والسوداوية في مجتمعنا الذي بات عاجزاً عن تقديم الأفضل للشباب والمتاح لهم صناديق الموت وأمتار من الأرض عجزاو على تآمينها في حياتهم فآكتسبوها هبة من عطايا الله رغم أنف الجميع حين انتهت رحلتهم المملوءة بالمعاناة والمخنوقة بكم لا يحصى الهم كيف لنا أن نسوق هاماتهم وطموحتهم إلى حفر الفاجعة ونهدر دمهم في الجبهات وعلى إسفلت الطرقات أو نتركهم طعماً لتلتههم الأمواج الضاربة أو صوعق الكهرباء المباغتة كيف لنا أن نلتقي وأحلامهم يوماً أمام الله في الغد بكل هذا البؤس الذي قدّمناه لهم دون أن تنحني رؤوسنا خجلاً من التجاهل والتلاعب بمستقبلهم المنهوب الذي كان من الممكن أن يتحقق بسواعد قادرة في أوطان أخذت معها أحلامهم وقواهم وأردتهم أشلاء فوق ترابها