صورة وتعليق
■ سالم الوخي
الحديث عن التوفيقية في الخطاب والفكر العربي والروح العامة ذات القوانين والدينامية الخاصة بالمجتمع العربي ارتآها البعض كحل للصدامات , يقودنا للتطرق إلى أمثلة عن ملامح تطبيقاتها , وسنبدأ بالتوفيقية الإصلاحية وأحد روادها المصلح السوري عبد الرحمن الكواكبي 1848 – 1902 وقبل التعرّض لأبرز محطات الكواكبي أود الإشارة , إلى أن الأمثلة التي اخترتها كممثلين للتوفيقية بمختلف تياراتها ليست مقصودة لذاتها , وإنما المقصود الآلية الصادرة عنها أو الظرف التاريخي المنتج لها , وهي ذات الآلية والظرف المنتج للفكر التوافقي القديم , بعد التحديات والهجمة الأرسطية الكونية العقلانية وعلوم الأوائل (الفلسفة ) من جهة , والغنوصية والهرمسية والباطنية ومنظوماتها من جهة ثانية , وما حدث خلالها من تزاوج وتلاقح ثقافي واجتماعي مع الخطاب والفكر العربي خلال العصرين الأموي والعباسي .
والأمر الملحوظ أن نفس الآلية التوفيقية تكرر صدورها بعد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 , على يد رفاعة الطهطاوي 1801 ) 1801) معلنة المواجهة بين العقل العربي وبين العقل الغربي والثقافة والتقنية الأوروبية والسلاح الأوروبي , وكاشفة عن التموضع العربي من التاريخ في أواخر القرن ال– 1898 ) , والإمام محمد عبده .
يعتبر الكواكبي ديني النشأة الفكرية خري ( المدرسة الكواكبية ) الدينية بحلب في الشام , وهي مدرسة ذات النهج الأزهري فيما يقرأ من كتب ويتلقى من معارف , شأنه في ذلك عدد من علماء ومثقفي عصره الموصوف بانسداد أبواب الاجتهاد والعلم خاصة بعد العلامة ابن خلدون ( 1332 – 1406 ميلادية ) , لذلك يقال أن الشرق أغلق أبواب العلم بعد ابن خلدون , وأن الجهل والإنسداد الحضاري بلغ منتهاه أيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ( 1842 – 1918) .
أصدر الكواكبي عدة كتابات ومقالات , جمعت في كتابين : اسم احدهما ( طبائع الاستبداد ) والآخر ( أم القرى ) , الأول في نقد الحكومات العربية , والثاني أغلبه في نقد الشعوب العربية .
في أيام الكواكبي كان الحديث في مثل هذه الموضوعات يصنف في إطار التابوهات أي المحظورات , لأنها تمس نظام الحكم وتوقظ وعي الشعوب بحقوقها وواجباتها وتبصرها بقيم ومبادئ العدل والمساواة التي جاء ونادى بها الإسلام العظيم , فيما زجّ بها حكام الوطن العربي والإسلامي داخل أنفاق وأتون اللاوعي .
وكما تقول إحدى الدراسات , رأى في النظام الاستبدادي فرديا كان أم جماعيا علّة التخلف والفقر في المجتمعات العربية , داعيا إلى القضاء عليه وعلى نتائجه السلبية في جميع المجالات الحضارية والثقافية والاجتماعية .
وحاول التوفيق بين مقولة الحرية والقومية والاشتراكية وبين الأصول العربية والإسلامية العقائدية منها والتشريعية والتاريخية . واكتوى الكواكبي بالسياسة العثمانية فكانت موضع نقده , واعتقد أن أمر الإصلاح شأن داخلي تعليمي تربوي , ولا مجال للمؤامرات الخارجية لتفتيت عضد العرب أو تذهب بريحهم ..
ودعا في هدوء وأناة وإشفاق لاستيعاب العلوم الحديثة وبخاصة الرياضية والطبيعية , وكانت أساس الاكتشافات الجديدة والاختراعات ولا يهمل العلوم الحكمية , عكس معاصره , جمال الدين الأفغاني (1838 – 1897 ) , الغضوب حاد الطبع مناديا بالسيف , خرجت الكلمات من فمه نارية حامية كأنها دويّ مدافع .. الباحثون وجّهوا الانتقاد إلى الكواكبي بأنه حصر نفسه في دائرة النظريات خالية من الشواهد والدلائل .. وتوفي في ظروف غريبة بالقاهرة …