صورة وتعليق ■ سالم الوخي
صورة وتعليق
■ سالم الوخي
قبل مواصلة عرض بعض الصور عن جوانب من حياة وفكر رموز مرحلة الحركة التوفيقية الإصلاحية , علي يد مؤسسيها رفاعة الطهطاوي وخير الدين باشا التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي , لتمثل حسب وجهة نظرهم , الأسلوب البديل لمجابهة التحديات الأوروبية في تلك الفترة , بعد أن أسفرت عن وجهها حقيقة أن التخلف في جوهره حضاري ..
ألقي بعض الضوء على أبرز سمات سياسة وشخصية محمد علي حاكم مصر الذي أنجب في عهده الطالب الأزهري رفاعة الطهطاوي 1801 – 1873 , صاحب حجر الأساس في عمارة عصر النهضة العربية الثانية , حينما أرسله إماما ومرشدا دينيا لطلاب البعثات الدراسية التي كان يوفدها إلى فرنسا بشكل دؤوب ومتواصل , ثم تحوّل الطهطاوي إلى مفكر يقود حركة ثقافية واجتماعية شاملة ومؤثرة امتدت حتي العصر الراهن .
لا أتجاوز الجانب الثقافي المختصة به هذه الصفحة , عندما تتجاور الإشارة للشأن السياسي مع الثقافي , وتحدث المفارقة أثر اهتمام حاكم في قامة وسطوة وطبيعة حكم محمد علي 1805 – 1848 , ودون تخطيط ودراية أو قناعة منه بالثقافة ورموزها وتجلياتها وتمظهراتها , في إضافة إلى رصيد التسلط والتمركز حول ذاته والإنفراد بالسلطة المتوارثة بين أفراد أسرته .
تجمع عدد من الدراسات عن عصر محمد علي بأنه لم يؤسس إصلاحاته سعيا وراء التحديث والديمقراطية , بل لتدعيم مركزه الخاص تجاه الدولة العثمانية والدول الأوروبية , فهو كان أميا أبجديا لم يفك حروف القراءة والكتابة , إلاّ في الأربعين من عمره , ولم يقم بأية إصلاحات سياسية أو ديمقراطية بل كان يحكم ( في انسجام مع طبيعة عصره ) , بشكل انفرادي مستبد , باستثناء دعوته لمجلس استشاري واسع في العام 1820 .
وتسرد المؤلفات الموثقة لشخصيته وسياساته , حكايات استنساخه بناء علي رغبته مقدمة العلامة ابن خلدون , وترجمة كتب عن نابليون بونابرت , وحينما سمع بكتاب ( الأمير ) الشهير للفيلسوف الأيطالي ( نيكولا ميكيافيللي 1469 – 1527 ) , طلب ترجمته سريعا , وما أن قرأ بعض الصفحات الأولى من الكتاب , حتى أعلن لمترجمه عدم عثوره على شئ جديد يذكر , مشيرا بقوله : ( ليس لديه ما يتعلمه من ميكيافيللي فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف … فلا داعي للاستمرار في ترجمته ) ..
لذلك يقال في أدبيات السياسة أن محمد علي قرأ دون قصد كتاب الأمير لمكيافيللي , وهو الكتاب المؤسس لمفهوم واصطلاح ذاع وانتشر في الحياة السياسية والثقافية العالمية تحت عناوين الميكيافيلية والغاية تبرر الوسيلة , وتمت البرهنة عليه وتنظيره فلسفيا , تحت اسم ( الذرائعية ) أو ( النفعية ) , بواسطة الفيلسوفان الأمريكيان تشالرز بيرس 1839 – 1914 , وجون ديوي 1852 – 1952 . ليصبح المبدأ الأول والمحرّك الأساسي للسياسات الأمريكية في مختلف العصور والأزمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية المحلية الأمريكية والعالمية …
ويعزو أحد البحاثة ميل محمد علي للنمو الصناعي والزراعي والعمراني لملائمته وتناغمه مع مصالحه الخاصة في الحكم وترسيخ سلطة أسرته التي استمرت في حكم مصر حتىسقوطها بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 , لذلك سعى لتطوير التعليم العسكري بالدرجة الأولى , فأرسل البعثات الدراسية إلى أوروبا وحمل طلابها بعد عودتهم على ترجمة المؤلفات التقنية التي رآها من ضرورات سياسته وبرامجه .
وتخرّج من بين هؤلاء رفاعة الطهطاوي أول ممثل للتوفيقية الإصلاحية في الفكر العربي الحديث . فلم يصدر محمد علي أي بيان في الحقوق ولم يشجع الاهتمام الشعبي بالسياسة أو الإدارة , حدث وأن قال له أحد الطلبة يوما انه درس علوم الإدارة المدنية في باريس , فأجابه بحدّة ( أنا الحاكم فاذهب الي القاهرة وترجم العلوم العسكرية ) …