طرابلس ورمضان وموائد الرحمن: عادات وتقاليد سمحة تميز المدن عن بعضها البعض توشك أن تندثر!!
غاب مدفع الإفطار والمسحراتي والزلابية مازالت تقاوم
أهالي مدينة طرابلس على مر العصور توارثوا عادات وتقاليد في شهر رمضان تشمل (التراث ـ التسامح ـ العلاقات الاجتماعية ـ والشعائر الدينية التي منها شعائر شهر رمضان) وبالتالي ورثوها لأبنائهم.. إلا أنه بمرور الزمن وتوسع دائرة المدنية أوشكت هذه العادات والتقاليد السمحة والتي تميز المدن عن بعضها البعض أن تندثر.
شهر الصيام يُعتمد في صومه على رؤية الهلال من عدمه .. ورؤية الهلال لها طابع مميز .. ففي القديم كان الناس يترقبون الهلال وذلك بأن يصعد أحدهم إلى أعلى جبل ليتمكن من الرؤية .. ويكون هذا الشخص معروف في قومه بالصدق .. وعندما تتأكد رؤية الهلال يتم الإعلان عن قدوم أول أيام شهر رمضان المبارك وكانت هذه المهمة غالباً ما توكل للمشايخ في المساجد .. وبعدها تولى أمرها دائرة الأوقاف. وأصبح الهلال الآن يقاس بعمليات حسابية فلكية .. تبين ولادته من عدمها .. ويتم شيوع رؤيته عبر وسائل الإعلام .. وبهذا يكون أول أيام شهر رمضان المبارك.
يهل رمضان وفي جعبته الكثير من الخير لأنه شهر الله وفيه تكون طريقة إعداد الطعام مختلفة عن سائر الأيام .. حيث يشتهي الصائم أصناف عديدة .. وعند دخول وقت المغرب يبدأ الجميع ينتظرون انطلاق مدفع الإفطار الذي يبين انتهاء يوم من أيام رمضان ويشرع لنا بداية الفطر في ذلك اليوم.
ومدفع الإفطار كان مميزا، حيث كان الناس في طرابلس يسمعونه من وراء جدران السراي الحمراء حيث ينطلق المدفع منبهاً أهالي المدينة بوجوب الفطر لدخول وقت المغرب .. ومع ازدياد عدد السكان وتوسع دائرة المدنية أًصبحت هذه العادة غير متوفرة وغير موجودة الآن في طرابلس .. وبذلك يعتمد الناس في فطرهم على التلفزيون أو الراديو الذي يطلق فيه مدفع الإفطار ويليه أذان صلاة المغرب.
مائدة رمضان تختلف عن موائد الأيام العادية.. ومن أشهر ما يقدم في طرابلس خلال شهر رمضان على مائدة الإفطار نوعان من الموائد.. الأولى وفيها يكون التمر واللبن والحليب بالإضافة إلى العسلة والزلابية والشامية وبعض الحلويات الطرابلسية المعروفة وهذا يكون كتحلية قبل الصلاة .. والمائدة الثانية هي مائدة الإفطار الرئيسية وتكون منوعة .. وتشمل أصناف عدة من الطعام ويكون الطبق الرئيسي فيها هو الشوربة .. بالإضافة إلى أصناف أخرى تختص بها مدينة طرابلس مثل البوريك والمبطن والكفتة والضولمة و……. ،حيث تلتم العائلة على مائدة واحدة ويعيشون أجواء رمضانية مرحة .. ولا ننسى في الليل أطباق المحلبية والخشاف.
موائد الرحمن..
هي تلك الموائد التي يقدمها أهالي طرابلس للغريب وعابر السبيل .. وهذه ميزة يتميز بها كل أهالي ليبيا .. وتقدم هذه الموائد لمن يستحق في الطرقات سواء الداخلية أو حتى الساحلية.. وكذلك يقوم الأهالي بتقديم الفطور لدوريات الشرطة والمرور الذين لم يغادروا أماكن عملهم .. كذلك هناك موائد إفطار تكون في المساجد حيث يقدم الحليب واللبن والشامية والحلويات والأكل الطرابلسي الشهي .. وكل ذلك طمعا في الأجر من الله سبحانه وتعالى.
المسحراتي..
ذاك الرجل الذي يقوم بتنبيه الناس لموعد السحور كانت موجودة في مدينة طرابلس.. والآن غاب المسحراتي من ذاكرة طرابلس .. حيث كان الناس ينتظرون قدومه وقرعه لأبواب بيوتهم .. معلناً لهم بداية السحور قبل أن يبدأ الفجر حضوره عليهم.. وكان المسحراتي يجوب طرقات المدينة حاملاً بين يديه طبل يدق عليه وينشد بصوت مرتفع ” أصحى يا نايم .. وحد الدايم ” وكان يقول أيضاً ” سهر الليل يا سهر الليل .. عادة حلوة وفعل جميل ” وغيرها من العبارات الجميلة التي كان الناس ينتظرونها في شوق.
مساجد مدينة طرابلس..
كثيرة هي ومتعددة، منها على سبيل الذكر لا الحصر (مسجد مولاي محمد ـ مسجد القدس ـ مسجد العنقودي ـ مسجد الناقة ـ مسجد ميزران ـ مسجد سيدي أبومنجل) وغيرهم من المساجد العريقة والعتيقة التي تفتخر بها مدينة طرابلس .. وتقوم هذه المساجد في رمضان بتهيئة المكان وتوسعته لاستقبال أعداد كبيرة من المصلين لأداء صلاة التراويح والقيام .. بالإضافة إلى أنها تقوم بالإعداد للمسابقات الدينة في التلاوة والذكر الحكيم.
الشارع الطرابلسي في رمضان..
نستطيع وصفه بالهادئ جداً أثناء الفترة الصباحية .. وأغلب المحلات التجارية مغلقة ولا تفتح أبوابها عادة إلا بعد صلاة الظهر .. مع التنويه إلى أن هذا الهدوء سرعان ما يتحول إلى زحمة وربكة مرورية في النصف الأخير من رمضان.
أما الشارع في الليل فإنه شارع حركي ممتلئ بالصخب والضجيج وفيه يزداد عدد السيارات .. وعدد الناس الذين يسيرون على أرجلهم لدرجة الربكة في السير .. وممكن وصفه بأنه شارع لا ينام .. خاصة بعد المنتصف من شهر الصيام حيث يبدأ الناس في التجهيز لعيد الفطر المبارك.