عوار الصحة والتعليم الطبي
د.علي المبروك أبوقرين
هناك عوار وتشوه خطير في العلاقة بين الصحة والتعليم الطبي ، حيث انه لا يوجد مستشفى واحد جامعي في ليبيا ولا هناك مستشفيات تعليمية وفق متطلبات ومواصفات ومعايير المستشفيات التعليمية ، وبالعودة لتأسيس كليات الطب في ليبيا وإلى ما وصل اليه التعليم الطبي اليوم ، حيث صدر قرار بتأسيس كلية الطب ببنغازي عام 1969م وتم تفعيله في عام 1970م بالبدء بالاعداد بكلية العلوم طرابلس واستكملت الدراسة ببنغازي بالمبنى الاداري المجاور لمستشفى البلدية المعروف ببردوشمو سابقًا و 7 أكتوبر لاحقًا ، ثم أنتقلت الكلية لجزء من كلية الاداب بمجمع الجامعة بقاريونس إلى أن تم نقلها عام 1984 إلى مقرها الجديد في الهواري بجوار مركز بنغازي الطبي الذي أفتتح بعدها بأكثر من عقد ، وطب طرابلس كانت بعد بنغازي ب 8 سنوات ، وأتخد قرارها على عجل ، ومكثت الكلية لسنوات عديدة بين البيوت الجاهزة ومعامل ومدرجات العلوم والتربية حتى تم الانتهاء من بناء الكلية في النصف التاني من الثمانينات ولم يكن للكليتين ولا الجامعتين ولا وزارة التعليم العالي لا مستشفى محاكاة ولا فعلي ولا حتى سرير طبي ، وجميع المستشفيات القديمة والمستحدثة فيما بعد والتي أُستكمل إنشائها بعد 1983 تتبع إداريًا وماليًا وقانونيًا وزارة الصحة ، والقطاع الصحي وجد لتأمين خدمات الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية لجميع الناس بمرافق متكاملة ومجهزة بأحدث التقنيات ، ويعمل بها كوادر مؤهلة تأهيل عالي ، لضمان حصول المجتمع على خدمات سريعة وآمنة وفي المتناول ، ولهذا بنيت المرافق الصحية وفق تخطيط جيد يراعي التوزيع المناطقي والديموغرافي ويغطي كل البلاد ، وتم تصنيف المرافق الصحية حسب سعتها ووظائفها وعلاقتها بسلسلة النظام الصحي ومدخلاتها ومخرجاتها ، وعليه تم وضع النموذج الهيكلي والوظيفي لكل مرفق ليحقق الخدمات الصحية المرجوة ، ونظرًا للظروف التي مرت بها البلاد قبل النفط وبعده وقلة الإمكانيات والكوادر أُتخدت قرارت سريعة لتحويل بعض المباني الإدارية لمستشفيات ولا زالت تعمل إلى يومنا هذا اسوة بالمستشفيات التي شيدها الطليان ، وإلى هذه الساعة لا علاقة بكل منظومة الخدمات الصحية بالتعليم الجامعي وتدريس الطب وغيره ، وقد يكون وهذا ضروري هو رفع الكفاءات نظرا لتطور الخدمات والتقنيات الطبية ، وهذا من أساس العمل وتطويره في الصحة وغيرها من المهن ، وتحايل بعض المجتهدين بتكوين جسم هجين تحت مسمى المرافق الصحية التعليمية والذي زاد الطين بلة لا الصحة لها علاقة بتعليم طلبة الطب ولا التعليم يملك المرافق ولا حتى أعضاء التدريس ، وكل كليات الطب لا تتعدى سلطاتها مبانيها الإدارية داخل حرم الجامعات ودوما هناك إشكاليات في تكليف العمداء ورؤساء الأقسام الاكلينيكية وتبعيتهم الإدارية والقانونية والمالية ،وإستطاع القائمون على تأسيس كليات الطب في بنغازي وطرابلس حينها أن يستعينوا بمناهج ليفربول وأساتذة تدريس من أهم الجامعات في بريطانيا ومصر والهند وكان 90% من الأطباء العاملين بالمستشفيات معارين من جامعات معروفة وبالتالي استفاد طلبة الطب منهم في التدريس والتدريب السريري رغم العوار والتشوه الهيكلي والوظيفي في التبعية والاختصاص ، وللأسف الشديد إنتشرت كليات الطب بلا ضوابط بكل المدن وقد تكون مباني كليات الطب ببنغازي وطرابلس الحالية ملبية للشروط والمواصفات المطلوبة ومع هذا لا تتناسب الآن مع تطور مفاهيم وأساليب التعليم الطبي ، فما بال باقي كليات الطب المنتشرة في مباني إدارية عشوائية تفتقر لأدنى الشروط لكليات الطب ، والمستشفيين اللذان شيدا في نطاق الحرم الجامعي ويطلق عليهما مراكز طبية جامعية وهي ليست كذلك لغياب التبعية وهذا أساسي ولمخالفتها لكل النظم التشغيلية والوظيفية والهيكلية والإدارية والقانونية والمالية والفنية والعلمية والبحثية ، هذا غير العوار الاساسي حيث أن كلاهما تم تشييدهما ببطء تاريخي ، وأفتتحا على عجل وعشوائية لا تتناسب مع مرافق انتظرها الناس لربع قرن لتوفر لهم ما كان مفقود في التخصصات والخبرة والامكانيات ، ومركز بنغازي الطبي افتتح لتسوية قضية أطفال الأيدز وأعطيت الإدارة لشركة فرنسية وليس لجامعة ولبرج واحد ، ولا علاقة للجامعة الليبية ولا كلية الطب به الا كما يسير عليه أمور التعليم الطبي في بلادنا ، وزادهم عوار أشد هو تبعيتهما لرئاسة الوزراء فمًا علاقة ذلك بالتعليم الطبي أو الخدمات الصحية ،
لو ربع كليات الطب تعمل بمرافق تعليمية صحيحة وأعضاء تدريس تنطبق عليهم المواصفات والمعايير التعليمية الجامعية بحذافيرها ويتبعها إداريًا وماليا ووظيفيًا وهيكليا مستشفيات جامعية متكاملة لكنا من أفضل دول العالم في الطب ، ومع كل هذا التشوه الخطير الذي يدمر التعليم الطبي والخدمات الصحية ، نجد ان البلاد تعج بما هو أخطر وأسواء جامعات طبية وأكاديميات ومعاهد خاصة بمسميات عالمية وأوروبية وعربية وافريقية أفضلهم يملك مقر إداري فخم ، وبعضهم شقق وبعضهم تليجرام واون لاين ودروس خصوصية ، جميعهم يستغلون قوةً الدولة والمجتمع في المستشفيات العامة ومشغلاتها ، وأعضاء التدريس العاملين بوزارة الصحة ، والمرضى المساكين الذين أصبحوا أداة ليتعلم عليها الطالب الخاص ويعلم عليها عضو التدريس الخاص ، الهدا الحد عمت الأموال بصائرنا وبصيرتنا ولأجل حفنة طموحة للثراء والتميز الطبقي ندمر وطن ونضحي بالأمة وصحتها ، وندمر مستقبل الأجيال ،
وتفاجئنا بين الحين والآخر قرارت مؤسفة لا أساس ولا معنى لها وهي ترفيع المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات القروية لمستشفيات تعليمية وتخصصية وتتكدس بها العمالة وتخصص لها الميزانيات ، ولا استمرت كما كانت ولن تكون كما ارادوا ، وتزامن مع كل هذه التشوهات الخطيرة الكم الهائل في المراكز التخصصية والهيئات والمؤسسات الصحية ذوي الكيانات المستقلة والشخصيات الاعتبارية لهياكل إدارية متضخمة وميزانيات كبيرة ، في الوقت الذي يجب أن تقدم كل المستشفيات المرجعية الثلاثية جميع الخدمات الطبية مهما كانت دقتها ومهارتها وخبرتها ، فالتجهيزات متوفرة بالأسواق العالمية وكذلك الخبرات مالم تتوفر محليا تعمل الدولة على تكوينه بأسس علمية صحيحة لبناء الكوادر الوطنية في أرقى الجامعات العالمية والتدريب السريري بمستشفياتها الجامعية ، وليس اون لاين او بالايجار المفروش ، أو الامتحانات بالاستضافة ، او مكاتب تتقاضي اموال أبنائنا لتجزيهم بدول تنهكها الحروب وينهشها الفساد وغادرها اطبائها الأكفاء ، أو ما يسمى بالجامعات الطبية المفتوحة ،
ابنائنا أذكياء ولهم طموحات متقدمة عن اقرانهم بالعالم يستحقوا نظم تعليمية وصحية متقدمة وخالية من هذا العوار والتشوهات الخطيرة ، إن التعليم الطبي الجامعي في حاجة لمستشفيات جامعية وتعليمية حقة ، ويتبعها مراكز ومعاهد بحثية ، والصحة في حاجة لمرافق صحية متكاملة يشملها نظام صحي قوي ومرن وفعال يحقق التغطية الصحية الشاملة والمساواة والعدالة الاجتماعية في الناس والأماكن والإمكانيات ،
وضرورة تصويب العوار وإصلاح التشوه الخطير الذي تعاني منه الصحة والتعليم الطبي ، وأهلنا الذين انهكتهم الأمراض وافلستهم المتاجرة في صحتهم وتعليم أبنائهم..