د.علي المبروك ابوقرين
مرت ليبيا لعقود طويلة تحت نير الاستعمار ، وعانت ويلاته ، وقبل اكتشاف النفط عاشت الفقر والعوز والحاجة ، وما ترتب عنهم من جهل ومرض ومجاعة ، وبعد النفط بداءت عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وكانت التحديات كبيرة وكثيرة ، ومنها التعليم والصحة والغذاء والسكن والعمل والحماية الاجتماعية ، وإلى النصف الأول من العقد السابع من القرن الماضي لم يكن متوفر من المدارس الا ما يعد على أصابع اليدين ، ومئات قليلة من المدرسين العظماء ، منهم من لم يستكمل المرحلة الابتدائية ، ولا وجود للمستشفيات إلا ما بناه الايطاليين لأنفسهم ولا يزيدوا عن أصابع اليد الواحدة في كل البلاد ، وعدد بسيط جدا من الأطباء الأجانب والليبين والذين بداءت أعدادهم تتزايد مع النصف الثاني من العقد السابع للقرن العشرين ، الوقت الذي أنطلقت فيه عجلة التنمية بوثيرة أسرع ، وشيدت الآلاف من المدارس والمئات من المرافق الصحية من مستوصفات ومراكز صحية ومجمعات طبية ، ومستشفيات جامعية وتخصصية وقروية ، ومع بداية العقد الثامن كانت ليبيا كلها مغطاة بالخدمات الصحية ، وكليات الطب ببنغازي وطرابلس تعج بالدارسين ، وانتشرت معاهد التمريض ، وزاد عدد الراغبات والراغبين في الانخراط في مهنة الطب والتمريض ، وأُستجلب الآلاف من الأطباء والتمريض والفنيين الصحيين من معظم دول العالم المتميزة في المهن الصحية ، وجهزت المرافق الصحية بأحدث التقنيات الطبية في حينها ، وزودت بالأدوية والمستلزمات والمعدات من كبرى الشركات العالمية المعروفة دوليًا ، وأبتعث الالاف من الطلبة لدراسة الطب ومثلهم من الأطباء الشبان للتخصص في شتى الفروع الطبية ، وعندما كانت العلاقات سوية مع أمريكا والدول الغربية كانوا المقصد الأول للتعليم الطبي وعلاج المرضى الذين لا يتوفر لهم علاج بالداخل ، وكان يتم استدعاء الكثير من الأساتذة الزوار للمستشفيات والجامعات الليبية لمناظرة المرضى وتدريس طلبة الطب ، حتى وصلت البلاد الى مراكز متقدمة عن كل دول المنطقة وافريقيا في جراحة القلب والعيون والعظام والجهاز الهضمي وزراعة الكلى وجراحة الأعصاب ، وتخلصت البلاد من أمراض كثيرة كانت تهدد حياة الناس لعقود طويلة ، وتحققت مؤشرات صحية غير مسبوقة ومتساوية مع الدول الصناعية المتقدمة ، وكل ماتم في تلك المرحلة من بنى تحتية صحية متكاملة وتعليم وتدريب طبي في الداخل والخارج على اعلى مستوي عالمي ، وتفردوا الأطباء الليبين ونبغوا داخليًا وخارجيًا تلك الحقبة ، وعولج المرضى في أرقى المستشفيات الجامعية الأوروبية ، وكل ذلك كان مكفول من الدولة وبالمجان للمواطن طالب كان يدرس الطب أو مريض يعالج في الداخل أو الخارج ، ولم يتعطل جهاز أو ينقص دواء أو يغيب طبيب أو ممرضة من أول مستوصف بقرية صغيرة نائية إلى أكبر مستشفى بمدينة كبيرة ، ولم تزيد ميزانيات القطاع الصحي في أفضل الأحوال عن 3% من الدخل القومي ، وكان بالبلاد نظام إحالة نموذجي ، ونظام رعاية صحية أولية متكامل ، وخدمات الطب الوقائي قائم بدور عظيم في مكافحة الأمراض والتطعيمات في مواعيدها لكل الفئات العمرية ، وللأسف بعد تحقيق كل تلك الإنجازات العظيمة في توفير الخدمات الصحية والتنمية البشرية الطبية والصحية ، توقفت عجلة التنمية وتراجعت الخدمات وحدثت انهيارات متتالية في شبكات النظام الصحي ، وتفكك القطاع وتفتت النظام ، وزادت الأمراض وتعددت ، مع إنعدام الخدمات وتسارع التدمير الممنهج للبنى التحتية الصحية التي لا يمتلكها حتى بعض الدول المتقدمة ، وغرقت البلاد بأدوية ما أنزل بها من سلطان الضار منها أكثر من النافع والمجهول المصدر أكثر من المعلوم ، وانهار التعليم الطبي وإنتهى التدريب السريري مع قفل المستشفيات وتدني الخدمات بها ، وتحولت منظومة القطاع الصحي العام أطباء وتمريض وفنيين وعاملين الى أسواق الخدمات الطبية بالقطاع الخاص ، الذي انتشر كأي نشاط اقتصادي ربحي غير منظم ، وأصبحت فاتورة العلاج أغلى فاتورة تدمر حياة الطبقة الوسطى ، مع صرف ميزانيات للقطاع الصحي الحكومي مئات الأضعاف لما كان يخصص عندما كانت الخدمات الصحية مُرضية نوعا ما ، ومتوفرة بأمهر الأطباء وأفضل الأدوية والتجهيزات ، والإنفاق يتزايد على الصحة من مخصصات الموازنات العامة ، والإنفاق المباشر من الجيب ، واستقطاعات تأمين طبي لا معنى له ، بلا عائد على النظام الصحي ولا على صحة الناس ، والأمراض تتزايد ، والتهديدات الصحية تتفاقم ، والتكلفة وصلت لحد عدم قدرة الناس على تحمل فاتورة أبسط تدخل طبي ، أو تغطية أدوية الأمراض المزمنة ، والتحاليل والفحوصات الطبية البسيطة ، ولا إمكانية للوصول والحصول على خدمات طبية أمنة وفعالة ، وأجيال من طلبة الطب والأطباء الشبان محرومون من تعليم طبي متقدم ، وتدريب سريري راقي ، وتحصيل علوم ومعرفة طبية حديثة ومتطورة ، وحرموا من أكتساب المهارات المهنية الطبية والصحية الحقيقية التي تمكنهم من ممارسة المهنة كما ارادوا ان يكونوا ، ولهم القدرة على ذلك لو اتيحت لهم الفرص ، وسخرت لهم الامكانيات ، ما تحقق في السبعينات والثمانينات بسعر الصرف 29 قرش للدولار ، وكل القوى العاملة الصحية تحول مرتباتها لبلدانها بالعملات الاجنبية ، وعلاج المرضى بالخارج مكفول بالمرافقين ولم تترتب اي ديون على الدولة ، والطلبه الدارسين في الخارج على نفقة الدولة كانوا الاعلى من غيرهم من باقي الدول ، ثم توقف كل هذا وتراجع كل شئ كأننا أول من سارع في تنفيذ مبادئ جون وليامسون لأقتصاد السوق والتكيف الهيكلي ، وتوالى الانحدار حتى الى ما وصلنا اليه الان والاقرب لما كنا عليه قبل النفط ..
نرجوا أن لا يكون عود على بدء
الإصلاح ليس مستحيل إن توفرت الحكمة والإرادة والإدارة..
د.علي المبروك أبوقرين حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما أثر…
يسرني وبكل فخر أن أتقدم بأصدق آيات التهاني والتبريكات لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية بمناسبة…
د.علي المبروك أبوقرين للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ،…
د.علي المبروك أبوقرينقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 ديسيمبر 2007 على أن يكون 14…
في حلقة جديدة من برنامج كلام الناس 22 سلطت الضوء على أسباب سيطرة المنتجات المستوردة…
د.علي المبروك أبوقرين في نهاية الأربعينات وقبل إستقلال البلاد بمدة بسيطة , وفي ضواحى طرابلس…