قرزة الأثرية “غريزيا Geris ” تاريخ وحضارة
تتميّز قرزة بمعالمها التي تمزج بين الفن المعماري الليبي والفرعوني والأغريقي، وتأثرها بالطراز المعماري في أواخر العصر الهلينستي.
تتميّز قرزة بمعالمها التي تمزج بين الفن المعماري الليبي والفرعوني والأغريقي، وتأثرها بالطراز المعماري في أواخر العصر الهلينستي.
ولم تسلم المدينة الأثرية التي تمتاز بعراقة تاريخها من النهب الكبير لبعض معالمها، وهو الأمر الذي يواجه مكتب السياحة في بني وليد في سعيه لإنقاذ المدينة وكافة القطع داخلها.
تقع قرزة على خط طول 14.33 درجة شرقا وعلى خط عرض 30.57 درجة شمالا، وعلى مسافة 130 كم من خليج السدرة و250 كم جنوب شرق طرابلس في المنطقة المعروفة باسم ما قبل الصحراء التي تنتشر بها مجموعة من الاودية شهدت منطقة استيطان وحضارة ليبية مزدهرة اثناء الاستعمار الروماني للمناطق الساحلية من منطقة المدن الثلاث (لبده واويا وصبراتة).
وتشكل هذه المدينة او المستوطنة راس المثلث الذي يتكون من ثلاثة مواقع اثرية مهمة هي قرزة و بونجيم والقريات الغربية، وتعد قرزة من اهم المستوطنات الليبية في منطقة ما قبل الصحراء في العصر الروماني و لا تكمن أهميتها بسبب الحالة الجيدة لأثارها التي لم تتعرض للدمار بسبب جفاف الجو وهجر المدينة ونظرا للأساطير التي حاكها السكان المحليون حولها مما أدى الى عدم حدوث استقرار بها في العصر الحديث كل هذا ساعد على بقاء اثارها بحالة جيدة ، ولكن تكمن أهميتها في المنحوتات البارزة التي تزخرف الكثير من عمائرها والتي تعكس الحضارة الليبية القديمة في ازهى صورها ، زد على ذلك الحفريات و المسوحات المنظمة التي أجريت بالمدينة بواسطة بروجان و سميث في الخمسينيات من هذا القرن والتي تمخض عنها عمل علمي متكامل نشر عن تلك المدينة.
بنيت هذه المستوطنة على جزء مرتفع من الضفة اليسرى من وادى قرزة وتمتد مبانيها وبقايا عمائرها على مساحة تقدر بحوالي 500 × 300 متر ، كما استغل مستوطني قرزة 122 هكتار من الاراضي الزراعية في الوادي لتأمين حياتهم المعيشية والاقتصادية . وقد دلت اعمال المسح والتحري بهذا الموقع على وجود عدد كبير من المباني من اهمها اربعيون مبنى تقريبا منها ستة حصون كبيرة لعل ابرزها الحصنان رقم 31 و 34 اللذان يقعان في منتصف المنطقة السكنية تحيط بهما حصون اخرى اصغر منها حجما من بينها منازل صغيرة وكبيرة يتفاوت عدد حجراتها من حجرة الى ست حجرات ، ومعبد وثني يحمل رقم 32، كما توجد بالمدينة خمس جبانات منها جبانتان رئيسيتان تنتشر بهما اعداد كبيرة من القبور وطرز متعددة لعل من اهمها اربعة عشر ضريحا (قبر تذكاري) تقع سبعة منها في الجبانة رقم 4 وسميت بالمقبرة الشمالية وهي تقع على الطرف الجنوبي من المستوطنة غير بعيدة عن الحي السكني ، وتقع بقية الاضرحة وعددها سبعة في الجبانة رقم 3 بعيدة عن المستوطنة في الجانب المقابل لوادي قرزة وسميت بالمقبرة الجنوبية .
النقوش تدل على أهمية قرزة قديماً.
لقد دلت النقوش التي عثر عليها بهذه المستوطنة سواء الليبية ام اللاتينية – البونيقية ان قرزة كانت مركزا كبيرا لبعض القبائل الليبية المتأثرة بالحضارة الكلاسيكية في اواخر العصر الروماني وتحديدا ما بين أواخر القرن الثالث و أوائل القرن السادس الميلادي وان هذه المستوطنة في اصولها الاولى تعد مستوطنة زراعية للسكان المحليين اكثر من كونها مستوطنة رسمية للجنود المزارعين ام المسرحين من الجيش الروماني ثم اصبحت لها مكانة عسكرية مميزة الى جانب حصنا بونجيم والقريات الغربية يدل على ذلك انتشار الحصون والقلاع العسكرية بها .
كما تم الاستيطان بقرزة ايضا في العصر الاسلامي وتحديدا ما بين القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد استدل على ذلك من خلال الخزف والعملة الاسلامية التي عثر عليها في المعبد الوثني (المبنى رقم 32) الذي يظهر انه حوٌل الى منزل في العصر الفاطمي.
ولقد تميزت الاضرحة التذكارية بمجموعة من اللوحات المنحوتة نحتا بارزا، وقد تم نهب مجموعة منها ونقلت الى اسطنبول لتعرض في متحفها الاثري منذ القرن التاسع عشر.
تعتبر أطلال مدينة قرزة من أهم المعالم الأثرية الموجودة في ليبيا، وهي ذات صبغة محلية متأثرة بالأساليب والطرز المعمارية السائدة في أواخر العصر الهلينستي، كما أنَّ الأضرحة نفسها تخصُّ شخصيات ليبية، حيث عُثر على اسمي «نميرا» و«ناصيف» منقوشيْن على الضريح الرئيسي بالمقبرة الشمالية.
وكان اعتماد سكان مدينة قرزة على زارعة الأرض التي منحتها لهم الحكومة الرومانية، إذ قدَّمت لهم بعض المساعدات مثل الحيوانات والبذور، ويقومون هم بحرث الأرض وزراعتها.
موقعها الجغرافي فقد كان مركزا تجاريا وزراعيا على طريق القوافل بين جنوب ليبيا وشمالها خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين.
واستغل سكان مستوطنة قرزة ظروف البيئة المحيطة، فاعتمدوا في حياتهم على زراعة مجرى الوادي المتسع، واستغلوا الأودية خير استغلال، وذلك بإنشاء سدود عرضية في المجرى، فتمكَّنوا من زراعة الحبوب والخضراوات والأشجار المثمرة، مثل النخيل والكروم والتين والرمان والزيتون وغيرها من الأشجار الأخرى.
ووُجدت هذه الأنواع من الأشجار على منحوتات قرزة التي توجد لها قاعة عرض خاصة في متحف السراي الحمراء.
واستخدم السكان صهاريج كبيرة لتخزين مياه الأمطار، إضافة إلى أنَّهم اعتمدوا على الرعي، ويبدو أنَّ المنطقة كانت تعتبر من المراعي المهمة، حيث كثرت بها الحيوانات المستأنسة مثل الأبقار والجمال والغنم والماعز، وكذلك الدواجن والطيور، وصُوِّرت هذه الحيوانات على أضرحة مدينة قرزة، كما اعتمدوا أيضًا على الصيد، وأعفتهم السلطات من الضرائب نظير الدفاع عن تخوم المدن الطرابلسية ضد هجمات القبائل المُغِيرة.
مباني قرزة
أما عن أبنية مدينة قرزة فهي تحتوي على 38 مبنى كبيرًا يوجد حولها بعض الأكواخ الصغيرة.
كانت هذه المباني خاصة للسكن باستثناء ثلاثة منها لم يُعرف على وجه التحديد الغرض من بنائها واستعمالها، أما العدد الأكبر من هذه المنازل فكان عبارة عن منازل صغيرة تتكوَّن من حجرة أو حجرتيْن.
وبالنسبة للمباني الكبيرة، فكانت تحتوي على عدد كبير من الحجرات يصل عددها ما بين 10 و12 حجرة منتظمة حول فناء متوسط مكشوف. ولا تزال بعض هذه المباني تصل جدرانها إلى كامل ارتفاعها حتى الآن، وتصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة طوابق.
تعتبر من أهم المعالم الأثرية التي تزخر بها ليبيا إلا أن مصلحة الآثار لم توليها الإهتمام المناسب الذي يليق بقيمتها الحضارية الموغلة في القدم التي تمتاز بها دون غيرها من المواقع الأثرية
وهذه خمس معلومات عنها:-
1-جاء إسمها من غريزيا ” Geris ” ذكرها المؤرخ بطليموس ضمن قائمة ” مدن منطقة سرت ” كما أشار إليها الجغرافي الأندلسي البكري في كتابه المسالك و الممالك.
2-تحمل بصمة الطراز المعماري السائد في أواخر العصر الهلينستي، والذي أعتبر خليط من الفن المعماري الليبي والفرعوني والإغريقي.
3-اعتمد سكان قرزة على حرفة الزراعة في توفير احتياجاتهم الغذائية وقدمت الحكومة الرومانية مساعدات لهم من بينها الحيوانات والبذور، وتمكن السكان من زراعة الحبوب والخضراوات والأشجار المثمرة مثل الزيتون والنخيل والتين وغيرها من الأشجار، كما اعتمد السكان على حرفة الرعي وعثر على منحوتات تتمثل في الماعز والبقر والجمل على جدران مدينة قرزة.
4-تضم قرزة 30 مسكنًا ومقبرتين هما المقبرة الشمالية والمقبرة الجنوبية، والأخيرة يوجد بها 7 مقابر تحوي أسماء شخصيات ليبية مثل ناصيف ونميرا نقشت على جدران المقبرة وقد نقلت مصلحة الآثار أحد هذه الأضرحة لعرضه في متحف السرايا الحمراء.
5-نهب عدد كبير من القطع الأثرية والصور والأضرحة التذكارية المنحوتة نحتًا بارزًا ونقلت إلى إسطنبول في أواخر القرن التاسع عشر لتعرض في المتحف الوطني للآثار .