نحن لا نشك في إمكانيات المثقفين الليبيين وقدراتهم الكفيلة بالقيام بمهام الثقافة الخطيرة لأن هؤلاء الأفذاذ مواكبون عصر التضخم المعرفي ولأنهم ملمون إلماماً عميقاً بمادة الثقافة ومتمكنون من مناهجها الأساسية وأساليبها في البحث إلى الأفضل لذا يجب أن تكون حكومات الحاضر والمستقبل على اتفاق تام لفتح الأبواب لهؤلاء النخبة ليقودوا ثورتنا الثقافية القادمة . فالمشكلة التي تعانيها مستويات ثقافتنا مشكلة خطيرة حقاً ولن تستطيع مؤسساتنا الثقافية على وضعها الحالي أن تزعم أن لديها حلاً جاهزاً .. مما يستوجب ضرورة إعادة النظر في أساليب هذه المؤسسات الراهنة وإن كان هذا ليس هو موضوع هذا المقام رغم أنه موضوع جدير بدراسة مختصة وسنكتفي بهذه الإشارة .
نحن في حاجة لمن يعي المجال العام لميادين الثقافة والمؤهل لمقارعة مشاكلها وذلك عن طريق تتبع ما يكتب عنها ويستطيع أن يتذوق البديل الأفضل لها حتى تكون ثقافتنا بافترضاتها ومسلماتها ومفاهيمها الأساسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإنسانيتنا وعلومنا . لابد أن يكون لنا متخصصون في الثقافة … أي أن تكون الثقافة موضوع اهتماماتهم طيلة حياتهم وإلى أن يحققوا التكامل في السلوك الفردي والجماعي واستعادة التوازن داخل مجتمعنا الليبي ولا يكون لنا تضارب في مصالحنا وقيمنا وغاياتنا لمجتمع مترابط .
وجود المثقفين على رأس مؤسساتنا شرط من الشروط حتى تكون كل مساعينا في إطار ثقافي يجعل من قيمنا وعقيدتنا واهتماماتنا ومصالحنا المزيج الذي تموج به حياتنا بدلاً من الهرطقة والزندقة التي نعيشها الآن ونتخلص من المركَب الغربي المعقد الذي نسميه ثقافة كالفن والبرامج المرئية المقلدة الوضيعة وتفشي التخنث والفساد الخلقي باسم اكتشاف المواهب والإمكانيات الصوتية ، تدهور مستويات ثقافتنا هو أساس مشاكلنا وأزماتنا وهزائمنا في كل المحاور الحياتية وعلى رأسها السياسية وما يقوله عنها قانونياً واقتصادياً واجتماعياً نحن في حاجة لرصد هذه الصراعات وإبرازها وتوضيح مصادرها ومغزاها والمؤسسات التي تدعمها والمسلمات الغربية النثنة التي تغذي هذه الصراعات لتكون بؤرة اهتمامات مؤسساتنا الثقافية بعد صقلها وتأهيلها . . كلما تضاءلت ثقافتنا كلما زادت صراعاتنا المتمخضة من هذه الضآلة وتعددت وتجددت حتى تنطمس علاقتنا وارتباطنا بعقيدتنا ويزيد حجم حجب العلاقة فيما بيننا وبين الأجدر والأفضل في هذه الحياة الدينوية وتزيد الأضداد اتساعاً كعلاقة الفرد بالجماعة وبين الخاص والعام وبين الحرية والسلطة حتى تصبح اعتقاداتنا وقيمنا غير جديرة بأن نخلص لها أو ندين بها .