كتاب جدير بالمطالعة : مكيافلي بين الأمير والمطارحات 3/3
محمد بلقاسم الككلي
كتاب جدير بالمطالعة :
مكيافلي بين الأمير والمطارحات 3/3
■ محمد بلقاسم الككلي
نعود للحديث عن ( الأمير ) بالقول إن هناك من يرى في هذا الكتاب وسيلة لتعليم الأمراء والسلاطين والحكام كيف يصبحون طغاة وتثبيت أركان حكمهم، وهذا قول غير صحيح، لكن هذا لا يمنع بأن ( الأمير ) انطوى على العديد من الأفكار استفاد منها الحكام المستبدين، فالحقائق والوقائع التاريخية تفيد أن الحكام الذين اطلعوا على ( الأمير ) من أمثال الإمبراطور شارل الخامس (1) وكاترين دي مديشي (2) هما الذين تحمسوا وبشدة لأفكار مكيافلي، ولا يمكن الشك في أن عدداً آخرين من الحكام استفادوا من محتوى الأمير وما تضمنه من أفكار منذ أن جاء به توماس كرومويل (3) لأول مرة إلى انكلترا بعد حصوله على مخطوطة منه، ومكن هنري الثامن من التحكم في في شؤون الدولة والكنيسة معاً، كما عثر على كتاب الأمير في حوزة هنري الثالث، وهنري الرابع، ملكي فرنسا عند قتلهما، واعجب به ريشيلو (4) بشدة.
وترك أثر كبير على سياسة فردريك الأكبر ملك بروسيا، الذي درسه في سن مبكرة ثم عارضه في كتابه ( انا ضد مكيافلي ) ،وعرف الأمير نابليون بونابرت كما عرف المطارحات ‘ الإمبراطور نابليون الثالث (5) اتبع في سياسته القواعد التي وضعها مكيافلي حتى أن موريس جولي وضع كتاباً لاذعاً انتقد فيه بشدة هذه السياسة التي أطلق عليها ( حوار في الجحيم بين مكيافلي ومنتسكيو ) وهو الكتاب الذي أصبح الأساس لقواعد حكماء صهيون التي هي في الحقيقة شرح لخطب مكيافلي، وبين جولي أن من السهل بالنسبة لمبادئ مكيافلي عند وقوع انقلاب عسكري أن تتحول الدولة القائمة على أسس ديمقراطية إلى دولة محكومة بالطغيان والاستبداد ‘ على عكس كتابه الأمير الذي ترك آثاراً سلبية و سيئة جداً ظهر مكيافلي في المطارحات جمهورياً يكره الطغاة والاستبداد ويسعى إلى نشر ما يفيد الصالح العام ‘ يقول ليسلي ووكر : ومن المؤسف أن يكون كتاب الأمير من أكثر الكتب التي تقرأ في هذه البلاد ( انجلترا ) وأن يكون أحد الكتب المقررة على طلاب جامعة أكسفورد في عصر النهضة، بينما يكون كتاب المطارحات على أهميته البالغة غير معروف ‘ بدأ مكيافلي في كتابة المطارحات عام 1513 م وانتهى منه عام 1518 م بعد أن ترك وظيفة السكرتير الأول لحكومة فلورنسا عام 1512 م وقام أنطونيو بلادو بطباعة المطارحات أول مرة عام 1532 م مكيافلي يستهل الفصل الثاني من كتابه الأمير بالقول ( ساتغاضى هنا عن الحديث عن الجمهوريات، ذلك لأنني عالجت هذا الموضوع مطولاً في مكان آخر ) ‘ مكيافلي يشير في المطارحات عدة إشارات إلى ( الأمير) وعلى الرغم من قلة الإشارات الواردة في كل من المؤلفين إلى الآخر، إلا أننا إذا اخذناهما معاً، بالنسبة إلى المواضيع التي عالجاها، تبين لنا كما يقول ليسلي ووكر : أن مكيافلي، لم يكتف بالنظر إليهما بشكل مترابط وحسب، بل اعتبرهما يؤلفان أطروحة واحدة عن الحكم تعالج قضاياه من مختلف النواحى ‘ وإذا كان كتاب الأمير يهتم بشكل خاص( بالإمارات ) وهي التي يحكمها شخص واحد، لديه كل السلطات، لذلك عالج مكيافلي في الفصول التسعة الأولى منه، طرق الوصول إلى الحكم، والوسائل التي يعتمدها الأمير في تثبيت حكمه، ثم يتحدث في الفصلين التاليين إلى معالجة شؤون الإمارات والكنيسة التي لا تنطبق عليها القواعد المقررة، ولكنه مع ذلك، حصر بحثه فيهما وفيما تلاهما، في مركز الحاكم وأمنه، ومختلف سبل السلوك التي يتبعها ‘ أما ( المطارحات ) فقد عالج فيها شؤون الجمهوريات وكيف يستطيع مواطن عادي فيها عن طريق اللجوء إلى مختلف السبل، الشريفة وغير الشريفة، مثل إثارة الجماهير، وتشكيل الأحزاب القوية، واستنفار العون الأجنبي، أن يقيم لنفسه إمارة أو شبه إمارة في بلاد كانت تتمتع بالحكم الذاتي، وأن يعرضها للأخطار التي يجب أن تكون حريصة على تجنبها’ مكيافلي يعود إلى هذه النقطة بين الحين والآخر .
ولكنه يقيم عدداً من المفاهيم، التي يتحتم على كل حكومة تسعى إلى استتباب أمنها واستقرارها، أن تعيها سواء أكانت جمهورية أو ملكية ‘ ونطالع في المطارحات أيضا عدداً من القواعد التي تنطبق على الجمهوريات والإمارات على حد سواء، لم ترد نهائياً في كتابه الأمير، حيث لا يذكر في الأمير شيئا عن قادة الجيوش، لكنه في المطارحات يتحدث بإسهاب عن الطريقة التي يجب أن يتبعها هؤلاء القادة في التعامل مع حكوماتهم وجنودهم، أيضا يقارن بين الإمارات والجمهوريات، حيث نراه يفضل نظام الحكم الجمهوري، باستثناء ما يتعلق بمعاملة رعايا المدن المحتلة، وإدارة الحروب ‘ يتبين لنا من خلال قراءة الأمير انه اقتصر الحديث فيه عن الإمارات فقط، لكنه في المطارحات ورغم اهتمامه الرئيسي بالجمهوريات ، روما منها بالذات، إلا أنه تناول آفاق السياسة كلها واستعرضها من وجهة نظر الحاكمين والمحكومين، لذلك قام بمعالجة شؤون الحكومات كلها، من جمهوريات، وامارات وملكيات مستبدة ‘ ويبدو واضحاً أن كتاب المطارحات عالج آفاقاً أكثر شمولاً من الأمير، وكان مكيافلي يرى أن تكرار ما قاله في ( الأمير ) في ( المطارحات ) مضيعة للوقت والجهد ،لذلك تجاهل الحديث عن الإمارات بالتفصيل وإنما اكتفى بالإشارة إليها وإذا كان كتاب المطارحات أكثر أهمية من الأمير يبقى الأخير سبب شهرته الواسعة، وعلى هذا نرى أن قراءة ( الأمير ) وحده تظل ناقصة دون الاطلاع على المطارحات ‘ وخلال الحلقات الثلاث حاولت إعداد ملخص يسلط الضوء على الكتابين، وساحاول قدر الإمكان استعراض أهم ما جاء في المطارحات وخاصة مقولة ( الغاية تبرر الواسطة ) .