التاريخ منذ بداياته الأولى كان مسرح للقوى والجماعات المتصارعة، والحركات التاريخية الكبرى التي شغلت هذا المسرح وهيمنت عليه كانت نتاج لصراع مصالح هذه القوى والجماعات وعقائدها وتصوراتها : من الدولة الخراجية والإقطاع إلى الرأسمالية، من البادية والريف إلى الحضر والعمران، من السلفية الأصولية إلى العلمانية والتحررية، من الإمبريالية والاستعمار إلى التحررية والديمقراطية، من القبلية والانشطار القبلي إلى الطبقية والإنتاج الوطني
أن واحدة من أولى مهام العلوم الاجتماعية في إطارها العام، هي تحديد موقع الجماعة في هذا الصراع التاريخي والحركات التاريخية الكبرى التي يتسبب بها .
الكتاب الذي نستعرضه محاولة لتحديد موقع المجتمع العربي في السياق التاريخي، وموقعه من الحضارات المتصارعة المحيطة به، وهو ليس كتاب تاريخ بالمعنى التقليدي للتأريخ، لكنه يمتزج فيه منهج علم الاجتماع بالتحليل التاريخي، دون أن يتقيد بالحدود المصطنعة الفاصلة بين العلوم الاجتماعية، وهو منهج التزمه خلدون حسن النقيب في بقية كتبه ‘
الكتاب يدعو القارئ إلى طرح الأسئلة حول أوضاع المجتمع العربي ماضيه وحاضره ومستقبله، ويسعى إلى الكشف عن مصادر الصراع وآلياته بين قوى المجتمع الذاتية واشتباك مصالحها مع المجتمعات والجماعات الأخرى المحيطة به أو المتصارعة معه، ويطرح عدة أسئلة : ما هو البناء الأساسي للمجتمع العربي، وما هي طبقاته الاجتماعية، وما هي القيم والمعايير التي تحكم عملية التنشئة الاجتماعية فيه، وكيف يعاد إنتاج واقعه من خلال النظم التربوية، وما هو القاسم المشترك بين الأصولية والتسلطية، وكيف يتصور المثقفون العرب ثقافة المجتمع العربي عندما تنحسر الأيديولوجية في عصر العولمة ‘
الكتاب جدير حقا بالقراءة أكثر من مرة لأنه يفتح لنا آفاق جديدة للتفكير من شأنها أن تعيد النظر في الأوضاع العربية الراهنة ‘