كلمة السر .. “حقوق الإنسان”
فيصل الهمالي
في العام 2012 بعد أن استقرت الأحوال جزئياً في ليبيا ، جمعني لقاء بسيدة تشغل منصب مدير اقليم الشرق الأوسط ، في أحدى المنظمات الدولية المرموقة ، و التي ترفع شعار الدفاع عن “الحقوق والحريات” في العالم ، وكوننا مُصنفين كدولة مواطنيها حُرموا من حقوقهم ، وصودرت حرياتهم على مدى اربعة عقود ، جاءت زيارة “السيدة الموقرة ” إلى ليبيا ضمن الخطط الاستراتيجية التي ترسمها تلك المنظمة التابعة لها ، لتجعل الحياة في ليبيا وردية ، في خطوة اولى تتلوها خطوات ، حتى تكتمل ألوان “قوس قزح” البهية، لتعم مختلف المدن الليبية .
لم يأتي اللقاء مصادفة ، بل جاء بطلب من السيدة في رغبتها عقد جلسة عمل ، نتبادل خلالها الأفكار والمقترحات ، بحجة تقديم الدعم والاستشارات ، بصفتي رئيساً تنفيذياً لتحرير صحيفة ليبيا الجديدة المستقلة وأحد مؤسسيها وملاكها، وبصفتها ممثلةلمنظمة دولية ، معنية بمد يد العون لكل من يتلمس طريقه إلى الحرية .
بعد البداية الكلاسيكية المعتادة في مثل هذه اللقاءات ، سألتني إن كانت لدينا خطوط عريضة أو “قضايا” محددة ، تنوي الصحيفة ضمن سياسة تحريرها أن تتبناها ، وتصبح صوتها ومنبرها الاعلامي داخل المجتمع الليبي ، فأجبتها بأننا لا زلنا في فترة مخاض نتلمس فيها طريقنا نحو تأسيس الدولة المدنية الطموحة ، لذلك سنضع كل همنا وجهدنا وامكانياتنا لدعم القضية الأم وهي بناء الوطن ، وانهاء كل المشاكل والعقبات التي تحول دون تحقيق ذلك ، بتقديم خطاب وطني رصين للرأي العام ، ومن ثم سنتفرغ لما دونها من القضايا .
خالفتني الرأي ، واعتبرت اهمال القضايا الثانوية بمثابة تأجيل لمشاكل ومختنقات اخرى ، قد تطفو على السطح في مرحلة متقدمة ، وتسبب في اعاقة بناء الدولة ومؤسساتها ، فبادرتها بسؤال مستعلماً عن شكل ونوع تلك القضايا ، فكأني بسؤالي هذا قد أنقذتها من عناء اللف والدوران لتصل إلى بيت القصيد بأقصر الطرق.
اعتدلت في جلستها لتقترب مني أكثر، في إيحاء متعمد بأهمية ما ستقوله ومدى حساسيته ، لتفصح عن “مصيبة” تسميها هي ومن يقف وراءها بالحقوق ، وتصف المطالبين بها بالمضطهدين ، وأن أعداد من التقتهم من هؤلاء قد تجاوزوا الخمسمائة شاب ليبي ، وأنهم قد أسسوا جسماً تنظيمياً يضمهم ويتحينون الفرصة لإعلانه رسمياً ، إلا أن مخاوفاً برفض وجودهم في المجتمع ، تمنعهم من الكشف عن أنفسهم وحقيقة أمرهم ، مشيرة إلى أن عددهم في كل ربوع ليبيا يفوق ذلك بكثير ، وانهم مصممين على المضي قدماً لانتزاع حقهم في الوجود وممارسة حياتهم التي اختاروها بشكل طبيعي يكفله الدستور .
حاولت السيدة اقناعي بأن تتبنى الصحيفة الدفاع عن حقوق “المثليين في ليبيا” ، وأن تمهد الطريق اعلامياً ، لإعلانهم عن انفسهم كشريحة من المجتمع ، لها حقها في ممارسة الحياة شأنها شأن البقية ، ولم تتوانى عن تقديم عروض الدعم للصحيفة بمختلف انواعه ، لتأدية هذه المهمة “الإنسانية” ، من أجل أن ينعم الجميع بالعيش في سلام في ظل دولة “مدنية” متماسكة .
أن العبرة تتجلى بوضوح لمن أراد أن يعي حقيقة المؤامرة على البلاد وشعبها ، فقضايا الحريات والأقليات تحمل الكثير من النقاط الحساسة ، يمكن لكل مغرض متربص أن يلعب على وترها لتصبح فتيل فتنة ومعولاً للهدم ، وتحت مظلة هذه الشعارات التي تختفي حيناً وتظهر أحياناً ، تكمن العديد من الإجابات ، فطالما كانت أغلب منظمات حقوق الإنسان الدولية كلمة سر ومفتاح بوابة انهيار الدول وشتات الأوطان .
وللحديث بقية