دبابيس
ما أن اعلنت المانيا عن اسماء رؤساء وقادة الدول المدعوة للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا ، حتى انطلقت اصوات بعض النخب المثقفة والاعلامية في الشقيقة تونس ، تستهجن وتستنكر ما وصفوه ب”إقصاء” دولة تونس متمثلة في رئيسها أو من ينوب عنه للحضور والمشاركة في هذا اللقاء الدولي ، الذي يتم برعاية الأمم المتحدة ويحظى باهتمام ومشاركة الدول العظمى ، صاحبة القرار والنفوذ و”كريماتها” .
و ليس من الغريب أن تفرد القنوات التونسية “غير الرسمية” مساحات واسعة من براحها البرامجي اليومي أو الأسبوعي ، لطرح الملف الليبي الشائك ، إلا أن الملف كان في مستوى هذا الطرح ، فعلى ما يبدو أن هناك اتفاق بين ثلة من الإعلاميين في قناة بعينها ، تسعى للنيل من رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد ، أو إحراجه واتهامه بالفشل الدبلوماسي الذريع بشكل ينطبق عليه المثل المصري ” جنازة ويشبعوا فيها لطم “، باستخدام القضية الليبية ، التي باتت أوراقها المبعثرة اداة فعالة لدول وجماعات وأحزاب ، لتحقيق مصالحها أو تضرب مصالح أخرين ، فضلاً عن أنها صارت مادة للاستعراض الإعلامي، وسلاحاً في حرب التلاسن والمبارزات الصحفية ، التي تصب في مصالح تيارات ضد أخرى .
إن تصدير تونس كدولة لها أهمية بارزة في حلحلة الأزمة الليبية كونها دولة جوار ، أمنها واستقرارها لا يتأتى إلا بأمن جارتها، التي تشترك معها في مصالح اقتصادية واسعة ، و تربط شعبيهما روابط الأخوة والدم فضلاً عن المصاهرة ، أمر لا يختلف حوله عاقلان مدركان ، إلا أن ما تفضل به بعض السادة المحللين والسيدات ، من الأشقاء التونسيين والشقيقات ، كان بعيداً كل البعد عن هذه النقاط ، بل لخص أهمية الدور التونسي فقط في كونها بلداً تضرر ولازال يتضرر من الأزمة الليبية ، تعاني من تكدس المهجرين المقيمين على اراضيها ، ما ارهق الدولة وتسبب في تدهور اقتصادها ، وكأن الليبيين يقفون على شبابيك الخزانة التونسية في نهاية كل أسبوع ، للحصول على إعانات او صدقات تقدمها من باب المساعدات الإنسانية ، في حين أن وجودهم ساعد في تماسك الاقتصاد التونسي المتدهور . كما أن الاستمرار في استخدام فزاعة الإرهاب والحديث عن مخاوف تسرب الإرهابيين من ليبيا إلى تونس في شكل لاجئين أو مهجرين، بات أمراً مستهلكاً غير ذي جدوى ، خصوصاً في ظل استمرار وجود “أكاديمية” جبل الشعانبي، المنتج الأول “للكوادر” الإرهابية في شمال أفريقيا .
والواقع أن ألمانيا لم تقص تونس من حضور المؤتمر ، بل أنها استبعدتها من الأساس ، لموقفها المترنح أو الضبابي حيال المشهد الليبي الراهن ، بعكس موقف شقيقتها الجزائر، فمؤتمر برلين يهدف بشكل اساسي ، إلى لقاء الدول ذات التأثير والدعم المباشرين في أطراف النزاع المسلح الدائر على الساحة الليبية ، بحسب وجهة نظر أو رؤية المبعوث الأممي إلى ليبيا ، فالمؤتمر يبحث بالدرجة الأولى عن إقناع من يملكون قوة التأثير وفاعلية المواقف ، للوصول إلى اتفاق تهدئة يمهد لحلحلة المشكلة من اساسها، ولا يأبه لفصاحة الخطب التي سيلقيها الزعماء من الناحية اللغوية والمعاني العاطفية ، ولعل هذا الاستبعاد جاء من باب تقدير الظروف والإعفاء من الإحراج ، فلا يزال البيت الداخلي التونسي يحتاج الكثير من الترتيب، ليكون قادراً على المساهمة في توضيب بيوت الجارات ، وهو ما يعيه جيداً فخامة رئيس الجمهورية وعامة الشعب التونسي الذي تحاول بعض الشخصيات الإعلامية تأجيجه بكل أسف.