ليبيا قبل النفط وبعده
د.علي المبروك ابوقرين
ليبيا من استعمار بغيض ، يملك الأرض وماعليها ، وشعب عاش الحروب والتهجير والنفي والفقر وسكن الاكواخ والعشش والخيام ، وعانى المجاعات والأمية والجهل والأمراض بشتى انواعها ، وحُرم من التعليم والخدمات الصحية ، وبدون طرق ولا مواصلات في قارة مترامية ، والاعتماد الكلي داخل المدن وخارجها على الدواب والعربات المجرورة بالدواب ، والنفط كان السبب الرئيسي في ألتحول في حياة الليبين في المناحي الاقتصادية وفرص العمل والتوظيف وتوفر السلع الغذائية والكساء والتعليم والصحة والطرق والمواصلات والمطارات والسكن اللائق والزراعة وتغيرت الحياة بالكامل وتحسنت جميع المؤشرات الاقتصادية والتنموية ، ومؤشرات الصحة والتعليم حتى وصلت لمصاف دول العالم المتقدم ، ونظرا للحرص المستمر على تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية كان من أولوياتها التعليم والصحة المكفولين للجميع وبالمجان في الداخل بامكانيات متقدمة ، وفي الخارج في افضل دول العالم ، والدعم الكامل في السلع الأساسية والمحروقات لضمان العدالة الاجتماعية والمساواة بين افراد المجتمع المالك الحقيقي للثروات ، ولكن مع سوء الإدارة وسوء القصد والنية توالى إنهيار القطاعات التنموية وأهمها التعليم والصحة والاقتصاد الوطني ، وتغول القطاع الخاص الاستهلاكي بدون ضوابط ، والتهريب لكل شئ والتزوير في كل شئ والفساد الذي عم كل شئ ، وتدمير البنى التحتية الإنتاجية والخدمية ، وتضخم التوظيف الغير مقنن مع السياسات التعليمية الغير متجانسة مع سوق العمل ، والتغيرات الغير مبررة والغير منطقية في السياسات النقدية والمالية ، وانهيار العملة الوطنية وتقلص القوى الشرائية لمعظم الطبقة الوسطى ، وتنامي فوضى السوق وتكديس السلع والمنتجعات المستوردة المخالفة لمعايير الاستخدام الصحي والبيئ ( سوبر ماركت النفايات ) تزامن مع توقف مشاريع التنمية مما ساهم في العشوائيات في الاسكان والاقتصاد والتعليم والصحة ، وانعكس على معيشة الناس ، وزادت الأعباء على كاهل المواطن حتى أصبح 80% من الناس ينفقون على فاتورة العلاج الغير آمن من الجيب مباشرة ، و 100% على تكاليف المواصلات ، وحدثت انهيارات في شبكات الحماية الاجتماعية ، وزادت معدلات البطالة والفقر والجوع والمرض والانحراف والتطرف ، وتآكلت مدخرات الطبقة الوسطى التي جنتها بعد النفط ، مقابل اعباء كبيرة المفروض انها مكفولة ،
والتعليم وصل لمرحلة غير مقبولة ولا يتناسب مع العصر ، والصحة تشكل خطر على المجتمع لما وصلت اليه من تردي ، والليبيون أصبحوا قاصرين حتى في ركوبة الايفكوات (حافلات صغيرة شعبية) التي تشكل خطر على السلامة والأخلاق ، والمقتدر فقط من يملك السيارات وله التعليم الخاص والعلاج الخاص في الداخل والخارج ، وفي الغالب على نفقة المجتمع الذي فقد كل شئ ولا يسافر الا للعلاج ، ومهدد بالعودة لما قبل النفط مع وجود النفط والزيادة في الإنتاج ، ولذلك في حاجة لإصلاح حقيقي نهضوي وتنموي يحقق الرفاه للأمة بكاملها ، وتعليم آخر متطور مغاير بالكامل لما هو عليه الآن، وصحة بمفهومها الحقيقي الإنساني التي تُمكن المجتمع من صحته وتحسنها له باستمرار ، وشبكات للمواصلات والطرق بكل وسائل النقل الحديثة برا وبحرا وجوا وفوق الأرض وتحتها ومدعومة بالكامل …
وفي حاجة لإصحاح بيئ لكل الوطن وبيئات معيشية بمعايير عالية جدا تحقق الطموح وما بعده ،
والترشيد الحقيقي في الانفاق ليس في افقار الشعب وإنما في إعادة هيكلة الدولة ، وبناء مؤسساتها على الأسس العلمية بمواصفات ومعايير ورؤى وأهداف واضحة ، معززة بالقوانين والتشريعات ، وبناء الاقتصاد الإنتاجي والمعرفي ، وبناء القدرات البشرية ، واعطاء الأولويات للاستقرار وللتعليم والصحة والأمن والحماية الاجتماعية ، ليبيا ليست في حاجة أن تتحول لسوبر ماركت وبها مايكفيها من الثروات الطبيعية والقدرات البشرية ، ليبيا تحتاج لأهل الحل والعقد وللحكمة والإرادة ، وتطبيق القانون ، وحسن الإدارة والتدبير والتصرف ، لتحقيق حياة كريمة للأجيال الحالية والمستقبلية.
رفع الدعم كالخراب سهل .
نسأل الله لبلادنا وأمتنا الاستقرار والنماء والازدهار ..