ليبيا نسيج وجداني ونخب تعاسة
بقلم / خليفة الرقيعي
إذا سألتني عن بلدي وصفتها لك كأجمل اللوحات ونسيج وجداني .
وسوف تشعر بأنني صادق في وصفها عندما تتباين لك نبضات وغزارة الكلمات التي تفيض حتى تصبح كالخرير الذي يزداد في تدفقه وتتحول الكلمات إلي آهات تتخلها همسات يلج لها الفؤاد في تراتيل مترنحة … وهكذا حتى أتذكر حاضرها فتتحول بلدي كالسيف ليستحلي موتى وتقذفني أعاصيرها وضحيها على كل عتبة معتمة وتصبح بذلك أحزاني ونخب تعاستي .
ما أردت أن أفضح أمر بلدي لأنها مجذرة الأصول وأمي العفيفة وموضع رفاتى وإرث أنبائي وأحفاد أحفادي ومن بعدهم إلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى . وكم أنا فخور بها عندما ابت في أمسها أن ترتمي في أحضان الغرب ورفضت الخنوع له لأنها تعلم أنها ستنفقد كل شيء ، فالغرب لا يزيد ، بالنسبة لها ، عن شلال ضوء أسود قاتم ، لعين ومقيت . رأت بلدي قريباتها يتجردن من كل شيء وأصحبنا كالشبح ، اقتسامت بلدي ألا تستكين له حتى لو هوت السماء وتبعثرت نجومها ، فمسالة الشرف كان بالنسبة لها فوق كل شيء .
أين ذاك من حاضرها ، وعجباً للسنين في سديمها . ففي ومضة من الزمن تحولت بلدي إلي هشيم تذروه الرياح ، توقفت عن الدوران بعد أن جنحت عن دربها ، عن يومها المدهش الذي شهد شروق شمسها الأول مرة في تاريخها ، تخطفها الخونة والعملاء إلى مكان سحيق حتى أعياها الكبرى وأعفاها عن مستقبلها ، فمن يا ترى سينحى من حولها هذا الليل الحالك .
ما زالت ارسم امسهاعلى جدراني ومازالت أسمع صوت طرقاته على بابي يوعد في همس لا أكاد أسمعه بأنه سوف يرجع بلدي الميت مرة أخرى .. ولكن ، وكل ما أكاد استبين وجوده أسمع أنين حزنه ولا يطيل الانتظار على الباب ويرحل ويتيرك صدى تمماته وكأنها تبشر بهبوط ملكوت الغيم من الصحراء كما في كل مرة ليحقق رتاج أحلام شعبي ويعرج به إلى عنان سماء السيادة والكرامة والأنقة .