تحت هذا العنوان كتب جان بول سارتر مقال مطولا نشرته صحيفة الجمهورية الفرنسية الصادرة في نيويورك أغسطس 1945 م ثم ضمه في كتاب ضمن مقالات أخرى تحت عنوان ( جمهورية الصمت ) وتم ترجمته للعربية عام 1962 م سارتر يستخدم لفظ ( المتعاون ) بديلا عن الخائن الذي يتعاون مع الأجنبي ضد بلده ‘ سارتر يفتتح مقاله بالقول ( قدر الأمير أولاف، الذي عاد مؤخرا إلى النرويج أن المتعاونين ( الخونة ) يمثلون 2% من مجموع السكان، ولا ريب أن النسبة في فرنسا لم تكن مماثلة تقريبا ‘ ويرى : أنه لو تم إجراء استقصاء في مختلف البلدان المحتلة يمكننا من تحديد متوسط نسبة المتعاونين في المجتمعات المعاصرة ‘ ويعتقد سارتر أن التعاون ( الخيانة ) ظاهرة اجتماعية مثلها مثل بقية الجرائم كالانتحار مثلا، وكل ما في الأمر أن عناصر المجتمع هذه تظل في حالة كمون في زمن السلم أو في الحروب التي لا تنتهي بكارثة، إذ لما كانت العوامل الحاسمة في الموضوع معدومة فإن ( المتعاون ) لا يظهر على حقيقته لا للغير ولا نفسه ‘فهو مشغول بأعماله، وربما كان مواطنا حقيقيا، لأنه يجهل الطبيعة التي يحملها فيه والتي لن تتكشف إلا عند توفر الظروف الملائمة لها ‘ يقول سارتر : وأثناء الحرب الراهنة التي سمحت ب ( عزل ) التعاون كما يعزل المرضى، شاعت في إنجلترا لعبة من الألعاب الاجتماعية : كانت تستعرض شخصيات لندن لمحاولة معرفة من كان منها على استعداد للتعاون فيما لو احتلت انجلترا، ولم تكن هذه اللعبة سخيفة إلى الحد الذي نتصوره : أنها تعني أن التعاون ( الخيانة ) دعوة، والواقع أننا، في بلادنا، لم نؤخذ بمفاجاة كبيرة : كان يكفي المرء أن يكون قد عرف ( ديا ) أو ( بونار ) قبل الحرب حتى يرى أن تقربهما من الألمان المنتصرين طبيعي ‘ على هذا ، وإذا كان صحيحا أن التعاون ( الخيانة ) لا يتم من قبيل الصدفة، بل تحت تأثير بعض العوامل الاجتماعية والنفسية، لذلك من المناسب كما يقول سارتر أن نحاول تعريف ما يسمى بالمتعاون ‘ لأنه من الخطأ أن نخلط بين المتعاون والفاشي، بالرغم من أن كل متعاون لا بد أن يكون قابلا مبدئيا، بعقيدة النازيين، والواقع أن بعض الفاشيين المعروفين قد استنكفوا عن التحالف مع العدو لأنهم كانوا يرون أن الشروط غير ملائمة لظهور فاشية في فرنسا المستضعفة المحتلة’ لذلك يرى سارتر انضمام بعض الأعضاء السابقين في جمعية ( المتقنعين ) إلى المقاومة، وبالمقابل وجد عدد من الرادكاليين والاشتراكيين والمسالمين الذين اعتبروا الاحتلال أهون الشرين وعقدوا صلات طبيعية مع الألمان ‘ من جهة اخرى سارتر يتحفظ على الخلط بين المتعاون ( الخائن ) والبورجوازي المحافظ بالقول : لقد وقفت البرجوازية موقفا بالغ التردد منذ مؤتمر ميونيخ (1) كانت تتخوف من حرب قال عنها تييري مولنييه (2) بوضوح انها ستكرس انتصار الطبقة العاملة، وهذا ما يفسر سوء نية ضباط الاحتياط ‘لكن إذا كانت البرجوازية قد حاربت برخاوة، فهذا لا يعني أنها كانت مستعدة أن تستسلم لألمانيا، ولقد كان جميع العمال، والفلاحين تقريبا من المقاومين : وأنها لحقيقة واقعة أن معظم المتعاونين ( الخونة ) كانوا من البرجوازيين ، ومع هذا يقول سارتر : لكن لا ينبغي أن نستنج من هذا أن البرجوازية كطبقة كانت تحبذ الاحتلال، فقد قدمت عناصر عديدة للمقاومة : لقد ناضل مجموع المثقفين تقريبا وجزء من الصناعيين والتجار ضد الاحتلال الألماني، وإذا كنا نريد ان نحدد وجهة نظر برجوازية تماما، فالاجدر بنا القول أن البرجوازية المحافظة كانت في مجموعها بيتانية و مرجءة ، وقيل أن مصالح الرأسمالية أممية، وان البرجوازية الفرنسية كانت ستستفيد من انتصار ألمانيا، لكن هذ مبدأ مجرد : فالاحتلال في الحقيقة كان يعني تبعية الاقتصاد الفرنسي للاقتصاد الألماني بصورة محضة خالصة، ولم يكن أرباب الصناعة يجهلون أن هدف ألمانيا تدمير فرنسا كدولة صناعية، وبالتالي تدمير الرأسمالية الفرنسية .
يتبع
‘ 1 –المؤتمر عقد عام 1938م وضم بريطانيا ، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا وتم إجبار تشيكوسلوفاكيا على التخلى عن جزء من أراضيها لصالح ألمانيا
‘ 2 –كاتب فرنسي يعد من أكبر الكتاب معاداة للاشتراكية ‘