محو الأمية الصحية
د.علي المبروك ابوقرين
تعاني غالبية شعوب العالم من الأمية الصحية , التي عٌرفَتها منظمة الصحة العالمية بأنها عدم القدرة على إتخاذ قرارات صحية صائبة في جانب أو عدة جوانب من الحياة ، سواء الشخصية أو الاجتماعية أو العملية أو المهنية ، فيما يتعلق بنوعية نظام الصحة والسوق الاستهلاكية ، والأمية الصحية ضارة جدا بالفرد والمجتمع والبلاد ، وتزيد من معدلات المراضة وارتفاع تكلفة الخدمات الصحية ، ومحو الأمية الصحية هي القدرة على الحصول على معلومات الرعاية الصحية وقراءتها وفهمها واستخدامها بمراحل إتخاذ القرارات الصحية المناسبة وإتباع تعليمات العلاج الصحيحة
واكتساب المهارات لاتخاذ القرارات الجيدة بشأن الصحة
، ولأن العناية بالصحة جزء من الحياة اليومية ، ولأهمية حماية الصحة وتعزيزها ، ومنع المشاكل الصحية وإمكانية إدارتها والتعامل معها بشكل أفضل عند ظهورها ، المطلوب أن يكون الجميع قادرون على العثور والحصول على المعلومات الصحية الصحيحة والموثوقة وفهمها جيدا ، والوصول للخدمات الصحية الفعلية ذات الجودة العالية ، ولديهم القدرة على التجاوب معها واستخدامها الاستخدام الأمثل والصحيح ، وهذا يتطلب أن تكون الناس قادرة على القراءة والكتابة أولًا والتي لازالت مشكلة عند معظم كبار السن في بلادنا ، التي كانت تعاني من نسبة عالية من الأمية في كل الفئات العمرية حتى سنة 1970 العام الذي ظهر.فيه مفهوم محو الأمية الصحية في العالم ، ولازال العامة لديهم فهم محدود للإجراءات والمعلومات الطبية عن الأمراض والوسائل الوقائية والتشخيصية والعلاجية ، مما يستوجب العمل الجاد وبذل الجهد لمحو الأمية الصحية لديهم ، وإيصال المعلومات أكثر وضوح بلغة وعبارات سهلة ومفهومة ، والتأكد من وصولها وفهمها وإمكانية الاستفادة منها واستخدامها ، ولن يتأتى ذلك الا بإعتماد مناهج صحية وطنية في المدارس والمعاهد والجامعات والنوادي ومعسكرات الكشافة والشباب ، وكل التجمعات والأنشطة بمختلف تنوعها وفئاتها العمرية ، لزيادة السلوكيات المعززة للصحة وفهم التدابير الوقائية وتعليمات العلاج والتعامل مع الأدوية ، والقدرة على إتخاذ القرارات الصحية الصحيحة ، وإتباع أنماط حياة سليمة وصحية ، وضرورة معرفة الأعراض وشرحها بالتفصيل ، وإختيار المعالج المختص ، واختيار الجهة التي يجب التوجه إليها إن كانت عيادة أو مستشفى أو خدمات الإسعاف والطوارئ ، أو غيرها من مرافق صحية تتناسب مع الحالة الصحية ، ومحو الأمية الصحية أبعد من التوعية الصحية المجتمعية ، ومجتمعنا في حاجة ماسة للتوعية ومحو الأمية الصحية بشكلها العلمي الصحيح ، ليستطيع التعامل مع التغيرات المناخية والتلوث البيئي الخطير وانتشار الأوبئة ، والكم الهائل والمرعب من الأغذية والأدوية المغشوشة والفاسدة ، والانتشار العشوائي للمرافق الصحية الخاصة بدون معايير ولا ضوابط ، ولا تقيم حقيقي لمقدمي الخدمات الصحية ، ومريض لا يعرف حقوقه وليس له خبرة ولا دراية بالمصطلحات الطبية ولا كيفية استعمال الأدوية والتمييز بينها ، حتى العلامات الإرشادية بالمرافق الصحية تحتاج لتفسير ، ومعالج إن علم بحقوق المرضى لا يعمل بها أو يتجاهلها ، ولا يشرك المريض في خطة العلاج كأنه وصي ، وفي الغالب المريض ينتظر مقابلة المعالج أشهر وتنتهي بلقاء لا يزيد عن دقيقتين ، ينتج عن وصفة ونماذج إحالة بخط اليد مليئة بمختصرات للمصطلحات الطبية لفحوص معملية وإشاعات ، وكم من الخوف والحيرة والمجهول ، في زمن تسيطر المتاجرة في المرضى أكثر من تقديم الخدمات الصحية الإنسانية ، والناس محاصرة بكم مهول من الدعايات والإعلانات المضللة ، لمنتجات وأدوية وأغذية وبرامج طبخ وتجميل ، ومرافق صحية وشخصيات أبعد ما تكون صحية وصحيحة ، فقط تكالب محموم على الاصحاء والمرضى ، في ظل نظام تمويلي تأميني يجر للجحيم ، ونظام صحي مفتت ومنهار ، ولذلك يجب أن توضع الإستراتيجيات والبرامج الكفيلة بتحقيق محو أمية صحية متكاملة لكافة أفراد المجتمع ، للحصول على دلالات ايجابية على نتائج الصحة الجسدية والعقلية والنفسية ، وحسن إدارة الحالات المزمنة ، والاستخدام الامثل للخدمات الصحية ، والاقلال من المراضة ، والتحكم في تكاليف الخدمات الصحية التي ارهقت المرضى وذويهم دون طائل ..
بمحو الأمية الصحية نعيش أصح