كتاب الرائ

مخصصات الصحة

   د.علي المبروك أبوقرين

تطالعنا التقارير المالية بأن 97% من الدخل القومي من إيرادات النفط والغاز ولا شئ آخر يذكر ،

وبطبيعة الحال أن تمويل قطاع  الصحة من الخزينة العامة التي تغطي مرتبات كل العاملين ، وتسيير المستشفيات والمرافق الصحية وتوريد الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية ، وعلاج المرضى في الداخل وفي الخارج حال تعذر العلاج محليًا ، والواقع أن الميزانية في تصاعد عامًا بعد عام ، والخدمات الصحية تتدنى وتنهار عام بعد عام ، وإن الدخول التي يتلقاها عموم المواطنين من نفس المصدر ولكن ينفق جلها على خدمات صحية بالمقابل في الداخل على منظومة صحية جلها تتقاضى مرتباتها من نفس المصدر ، وفي الخارج يتم الإنفاق على العلاج من الخزينة العامة ومن الجيب الممول من الخزينة العامة أو  من المدخرات البسيطة التي جمعتها الناس لسنوات طويلة حُرمت من الرفاه ، ليصبح مجموع ما ينفق على الخدمات الصحية للقطاع العام الذي لا يعمل والخاص الذي لازال في العام يعمل ولا يعمل ، ولسبوبة أخرى اخترعها الحذاق للأرتزاق تسمى التأمين الصحي ، والجيب قد أُفرِغ والمدخرات نضبت ، وكل ذلك أُنفق على علاج أمراض لم تعالج وما كانت أن تكون ، وعلى خدمات سيئة انفق عليها أموال طائلة بلا نتائج إيجابية تعود على صحة الناس ( ولا أحد يجيب نباها )

ولذا نجد أن ما ينفق على خدمات علاجية عشوائية بلا معايير ولا ضوابط مهنية أو مالية أو أقتصادية تساوي ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يخصص للقطاع الصحي من الموازنة العامة ، لذلك وجب اتخاذ اجراءات صارمة لإيقاف  هذا النزف المتزايد الذي سيقضي على صحة الناس ومدخراتهم وموارد الدولة ، وتتنامى قوى السوق التي لا تؤمن الا بجني الأموال وزيادة الأمراض ، وتتجذر السياسات الاقتصادية والصحية التي تروجها القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي التي لا تتناسب مع مجتمعاتنا وقيمنا الإنسانية النبيلة واقتصادياتنا ، وللأسف  معظم الأنشطة الاقتصادية ومنها من يساهم في تفشي الأمراض تمول من نفس المصدر ، ومع هذا ليبيا تتمتع بعوامل اقتصادية واجتماعية تمكنها من أن يكون لديها أفضل النظم الصحية ، وأن تتحول لمقصد للسياحة العلاجية ، ومورد هام للقوى العاملة الصحية المؤهلة ، وأن يكون بها قلاع للصناعات الدوائية للاستخدام المحلى وللأسواق الخارجية ، ويؤسس بها المراكز البحثية في العلوم الطبية ، ليس صعب ولا مستحيل إن تم حسن إدارة الموارد وتسخيرها للتنمية البشرية الحقة ، والتعليم المتقدم والصحة بمفهومها الشامل .

ومن الضروري إعادة النظر في هذه الفوضى في الخدمات الصحية والتعليمية ، وتنفيذ إصلاح صحي حقيقي بإستراتيجيات واضحة وبرامج تنفيذية محددة لتحقيق نظام صحي قوي وفعال ومنصف ، تخصص له موازنات تحقق التغطية الصحية الشاملة والعادلة بامكانيات حديثة متكاملة في البنى التحتية الصحية والقوى العاملة المؤهلة تأهيل عالي ، وحوكمة صارمة وشفافة ومعايير صحية عالية تحقق المحددات الصحية الخدمية والفنية والعلمية ،

إن إنفاق دينار على الوقاية يجنب صرف عشرة في العلاج ، وإنفاق عشرة في علاج ناجع يوفر الآلاف والملايين ويحافظ على صحة وسلامة وحياة الناس ، وتمكين الناس من صحتهم الهدف الأسمى لأي نظام صحي .

والصحة أبعد من الخلو من الأمراض والعجز ، والرفاه أبعد من التوقع .

وللصحة والعافية والرفاه تخصص الموازنات لحياة كريمة وتنمية مستديمة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى