من أين للعين الكيله أن تجف
بقلم خليفة الرقيعي
كيف للعين أن تجف دموعها وهي ترى بلدي يعصف بها الصخب والإعصار ولم يبقى لها من بريق تاريخها إلا اليسير … بعد أن كانت قمة ممنوعة وطود يعلو شامخاً ورياضاً لكل العرب وملاذاً لكل من ينشد العين الرغيد .. وروضة يستريح عندها كل مسافر .. تجود بورودها لكل عشاق الحرية والكرامة .. خيلاؤها ملىء أسماع وأبصار العالم .
كانت بلدي صنوان المتحدين والثائرين ضد جبابرة العالم ، تحدت القدر الذي رصده الغرب اللعين ضد العرب . لم تركصن خيلها قط خلف الخنوع والاستلام وقبول الأمر الواقع . كانت تحمل سمات الصوت الثائر ، يصالحه ال‘داء خشية منه ويناعيه الثوار والأحرار عشقاً له . ناشدها الجياع بحلو القصائد أعرافاً وامتناناً واجلالاً لبدي حتى أصبحت هذه القصائد باقات شعرية تصف فيف شيئاً من ملامح جودها وكرمها .
فكيف للعين الكليله أن تجف وهي ترى هذه الشعلة تخبو وتتحول إلي جسد مهيص مرهق ، نالها سيل الطامعين والحاقدين وتكاد أن تنتهي اسطورة مدها ويجف غص شبابها ويتنباع خوته أبناء جلدتها بقية كل ما يرمز إلي شموخها وميزاته .. ولم تعد صنوناً للآخرين ، بل وتأئها تحولت ، بين عشية وضحاها ، إلي غلاف حسن ووهم زائل يسخر منه القاصي والداني .
ولكن ، وبالنسبة لهذه العين الكليله ، وعلى قدر أعماق أنفاسها ، ستبقي ليبيا ، بكل اثامها واوزاها ، شعله وجذوة ولا يراودها شك في النهوض من كبوتها وتكرار جودها وكرمها .. وسوف لن تفقد ذاته أو أهميتها في العالم ، ولأن هذه العين على ثقة بكنوز ليبيا ونفائسها فهي طقوس عشقها وبوح القوافي في نوي دموعها التي لاتجف .. فهي حبها الابدي المتجدد ، لا تستكين إلا لها .. تلتمس لها عذار وسوف يتحول كفرها بشعبها أكباراً حين يتسم بسمات الإنسانية مرة أخرى وحين يعود لينبض بالحياة ويصير ملهماً كالعادة ، عبر تاريخية المجيد ليؤسس حريته وسيادته وعلو صيته من جديد .. وحتماً ستأتي تلك اللحظة أن شاء الله تعالى .