هل يصلح العطار ما أفسده التجار ؟
متابعة أسعار السلع والبضائع بالأسواق العامة ومدى توفرها بالسوق خطوة مهمة لكنها أتت متأخرة
هل يصلح العطار ما أفسده التجار ؟
متابعة أسعار السلع والبضائع بالأسواق العامة ومدى توفرها بالسوق خطوة مهمة لكنها أتت متأخرة
أسعار الخضار والسلع الأساسية فاقت المألوف فلماذا تترك الأمور تصل إلى هذا الحد ؟
رصد : إدريس بالقاسم
في غضون أسبوعين أختل ميزان الأسعار في سوق السلع الاستهلاكية الأساسية صعودا، بصورة متسارعة تنبئ بغلاء فاحش في هذه السلع خلال شهر رمضان الذي تفصلنا على قدومه أقل من ثلاثة أسابيع .
في سوق الخضار، البصل اقترب من العشرة دنانير للكيلو جرام الواحد ، والبطاطس والفلفل والطماطم الأخضر والخيار ، حدث ولا حرج ، فأسعارها هي الأخرى خرجت عن المألوف والمعتاد في هكذا أوقات ؟!!
وفي سوق اللحوم ، وخاصة لحم الضأن الإسباني وصل سعر الكيلو الواحد منه 30 دينار بعد أن كان سعره منذ عشرة أيام فقط ب 23 دينار للكيلو جرام . أما عن سعر لحم الضأن الوطني فلا تسأل !!
حجج كثيرة يرميها التجار في وجه المستهلك المستاء والمستغرب من كم هذا الجشع وهذا الاستغلال للظروف . بائع الخضار يرمي الكرة في وجه تاجر الجملة ، وتاجر الجملة يرميها في وجه المزارع ، والخلاصة استغلال مغلف بمبررات واهية .
وسوق اللحوم هو الآخر يرمي بذات المبررات على الرغم من دخول آلاف الأغنام ، ومئات العجول الحية الموردة من اسبانيا عبر مينائي الخمس وطرابلس خلال الأسبوع الماضي وحده ، هذا من غير الشحنات التي سبقتها ، والتي ينتظر وصولها لاحقا .
المؤيد والمبين لهذا الاستغلال ، أن هذا المعدل في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية ، حدث حين كان سعر الدولار يقارب العشرة دنانير ، وكان ذلك مبررا منطقيا لارتفاع الأسعار حينها . أما الآن فما هو المبرر لهذا الفحش في الأسعار ، وسعر الدولار يباع للمورد بأقل من اربعة دنانير ؟!!
وزارة الاقتصاد والصناعة ، بعد علو صوت المواطن المستهجن لهذا الانفلات في منظومة الاسعار النمطية للسلع الاستهلاكية المواكبة لشح السيولة في المصارف ، واقتراب حلول شهر رمضان ، تحاول لملمة ما يمكن لملمته في هذا الوقت القصير ، بتكليف لجنة برئاسة مدير إدارة التجارة الداخلية وعضوية مدير مكتب المتابعة ورئيس قسم الأسعار ، وعدد من المختصين من أجل متابعة أسعار السلع والبضائع بالأسواق العامة ، ومدى توفر السلع الأساسية بالسوق ، والوقوف على أية مختنقات تتعلق بالشأن الاقتصادي ، واقتراح المعالجات اللازمة لها ، بالتواصل مع مراقبي ومدراء مراكز خدمات الاقتصاد والصناعة بالبلديات ، وتزويد الوزارة بتقرير يومي عن هذه المهام، إلى جانب البحث في سبل تسهيل انسياب السلع الأساسية الموردة من قبل القطاع الخاص للأسواق المحلية ومدى استقرار أسعارها .
ورغم هذه الخطوة التي رآها الكثيرين قد تأخرت كثيرا ، ولن تكون ذات جدوى في ما تبقى من وقت عن مقدم شهر رمضان ، ظلت حزمة من التساؤلات في أفواه المواطنين بحاجة إلى إجابات فعلية يلمسها المواطن بصورة مباشرة على أرض الواقع ، وليست مجرد أقوال لاتسمن ولا تغني من جوع .
الرقابة والحرص على استقرار السوق يبدأ من هنا !!
عبد الباري مفتاح .. رب أسرة . تسأل وهو يلتقط بعض حبات البصل من إحدى ” براريك ” الخضار المقابلة لجامع أبو شعالة بطرابلس ، قائلا .. أين الحرس البلدي ، ووزارة الاقتصاد ؟ لماذا تترك الأمور تصل إلى هذا الحد ؟ البصل مكون أساسي في غذاء الاسرة الليبية ، لماذا لم تتصرف وزارة الاقتصاد بسرعة لمعالجة النقص في هذه السلعة خاصة بعد التحفظ على الكمية الموردة من مصر وإعدامها لوجود ثلوث بها . ولماذا لا يخص الحرس البلدي العمالة المصرية التي تتحكم في سوق الخضار بالمتابعة الصارمة ذاتها التي تعامل بها مع الأسواق الممتازة ومحال بيع اللحوم والعيادات الطبية ومحال بيع الحلويات . خاصة أن هذه ” البراريك ” تحتل أمكنة من الفضاء العام ، وتستخدم الإنارة بتوصيلات غير قانونية من أعمدة الإنارة العامة ، ومن يعملون بها عمالة وافدة لا تدفع ضرائب ولا رسوم تراخيص مزاولة ؟!! .. مختتما كلامه قائلا .. الرقابة والحرص على استقرار السوق يبدأ من هنا ، وليس من داخل المكاتب .
هذا نتاج سيطرة الوافدين على تجارة السلع الأساسية !!
يوسف محمد .. دخل لمحل بيع لحوم بمنطقة الكريمية . سأل القصاب المصري عن سعر لحم الضأن الإسباني ، فقال له بثلاثين دينار ياحاج .. هنا صاح هذا المواطن قائلا .. كيف ياراجل أنا أول أمس اشتريت منكم على 27 دينار للكيلو . فرد القصاب قائلا .. ” إحنا زيك بنشتري من الجملة كل يوم ويومه ” . فما كان من ذلك المواطن إلا الخروج من ذلك المحل متأففا .. ومتمتما بالقول ” الله لا تربحكم دنيا وآخرة .. كمشة حرامية .. تلقوه وتتلقوه ، وتشروا به دواء إن شاء الله ” .
هذا الموقف .. فتح باب النقاش بين الحاضرين بالمحل .. أحدهم قال .. ” الراجل عنده حق ، وين ماشيين بينا التجار . خيرهم مش حاسين بظروف الناس ، وهم كل يوم هل من مزيد ؟ !! ” .
لو كانت هناك متابعة جادة ، ونظام تسعير لما حدثت هذه الفوضى !!
مواطن آخر رد قائلا .. ” هذا كله بسبب لا مبالاة الدولة ، لو فيه متابعة جادة ، ونظام تسعير زي بلدان العالم لن تحدث هذه الفوضى ” .
وأضاف مواطن آخر قائلا .. ” مادام سوق السلع الأساسية ، وأماكن التسوق الشعبية تحت سيطرة الوافدين ، فمن الطبيعي أن تحدث هذا الفوضى في الأسعار التي تساعد الظروف الراهنة على ارتفاعها ” واستشهد على كلامه .. بالقول .. نصف محال الجملة بشارع السامبا أصحابها مصريين ، والليبيين لا يملكون منها شيئا سوى الاسم والترخيص فقط لا غير . وكذلك سوق اللحوم بأبي ستة والحي الإسلامي ، واللي مش مصدق يمشي يشوف بروحه ” .
حسين صالح .. هو الآخر كان يطرح ذات التساؤلات السائدة في السوق .. يرمي حبات الطماطم في الكيس البلاستيكي ، ويقول بصوت مسموع ” لا حول ولا قوة إلا بالله .. حتى الشرمولة معادش بنلحقوها ؟ . هذا شن يقولوله ، معقولة البصل بتسعة دينار والفلفل بستة ؟ ”
الأسعار ستواصل ارتفاعها أكثر فأكثر ما لم تتدخل الجهات الرسمية !!
وهنا رد عليه أحد الزبائن قائلا : ” أنت شن ريت ، جايك رمضان ومازال ياما تشوف ” ، وهنا دخلت على خط النقاش ، متسائلا .. على أي أساس وصلت إلى هذه القناعة ؟ فرد علي قائلا .. ” واضحة ياطيب ، الربيع من فم الدار يبان ، إذا كان لهيب الأسعار مستعر منذ مدة ، ومازال يستعر ، فمن البديهي أن تواصل الأسعار ارتفاعها أكثر فأكثر ، مالم تتدخل الجهات الرسمية ذات العلاقة لإيقاف هذا العبث ” . وأضاف قائلا .. لكن فاقد الشئ لا يعطيه ، لذلك لا نتوقع إلا المزيد من الغلاء . توقفت عند هذا الرد متسائلا .. لماذا أنت متشائم إلى هذا الحد ؟ فرد قائلا .. يا أخي أنظر إلى حزمة الإصلاحات الاقتصادية تجاوزت الستة أشهر منذ إقرارها ، ومازالت أزمة السيولة قائمة ، بل ازدادت تعقيدا لأنها رفعت السعر الرسمي للنقد الأجنبي ، ولم تحقق نتائج على الأرض ، وأضاف .. هذه الحزمة هشة ، ولم تلامس الواقع ، والواضح أنها تركزت على التصدي لسوق العملة الموازي فأهملت جوانب أخرى مهمة . ولأن الرد كان ينبئ عن فهم هذا المواطن للملف الاقتصادي فسألته .. الجوانب المهمة التي ذكرتها ، مثل ماذا ؟ فكان رده .. وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي سهلا للتجار والموردين إجراءات الاستيراد ، لكنها أهملت ملف تسعير السلع الموردة بالسعر الجديد للدولار ، فبقت الأسعار على ماهي عليه عندما كان سعر الدولار في السوق الموازي يلامس التسعة دنانير .
الأيام ستبين لنا جدية وزارة الاقتصاد في معالجة الأزمة
أخر المتحاورين .. قال . ” يا سيدي نشوفوا الاقتصاد شن بتدير .. قالوا شكلت لجنة لمتابعة الأسعار ، إن شاء الله تقدر على هالفوضى اللي صايرة .. والأيام ستبين لنا جدية هذه اللجنة من عدمه ” . وتوا ما فيش امامنا إلا مقاطعة أي سلعة يخرج سعرها عن المألوف ، والله العظيم لو الليبيين يأخذوا هذا الأمر بجدية ستنخفض الأسعار بصورة كبيرة جدا . نحن نحتاج إلى شوية جدية ومسئولية منا ” فقط لا أكثر . شوية منا وشوية من الحرس البلدي ومن وزارة الاقتصاد تمشي الأمور ” .
الكرة الآن في مرمى وزارة الاقتصاد إن كانت جادة في ضبط أسعار السوق
محمد عاشور .. مهتم بالشأن الاقتصادي .. قال ” غياب الجدية لدى الجهات المعنية ، هي إحدى اسباب الفوضى في السوق الليبي المؤدية بطبيعة الحال إلى اختلال منظومة الأسعار ، وخاصة في الظروف الاستثنائية كالتي تمر بها البلاد الآن . وأضاف .. قائلا ” ليس صعبا الخلوص إلى قائمة أسعار نمطية تتغير بين الحين والآخر صعودا وهبوطا بنسب بسيطة ، إذا ما ألزمت وزارة الاقتصاد الموردين بإظهار فواتير الشراء ، وتحميلها بباقي المصاريف الأخرى من نقل وتخزين ، مضافا إليها هامش ربح محدد ، وإعلانه عبر موقع الوزارة ، وإلزام التاجر بإظهاره في مكان واضح بمحله . ولا مجال للتلاعب في الفواتير في ظل منظومة الاتصالات والمعلوماتية السائدة التي تمكن أي إنسان من معرفة الأسعار العالمية السائدة للأرز والسكر والبن والشاي والألبان ومشتقاتها . وخلاصة القول .. الكرة في مرمى وزارة الاقتصاد إن كانت جادة في ضبط أسعار السوق ، ولو أولت هذ الأمر ذات الاهتمام الذي توليه للموردين والتجار بحل مشاكلهم وتسهيل أمورهم الإدارية لأجل الحفاظ على مخزون استراتيجي من السلع الأساسية ، من البديهي أن يحدث التوازن المطلوب ، الذي يوفر للمواطن بعضا من الطمأنينة والقدرة على تكييف موارده مع احتياجاته الضرورية .