خدمة ما بعد البيع الأساس المفقود لحماية المستهلك
التجارة عند البعض غش برسم الشطارة !!
= خدمة ما بعد البيع الأساس المفقود لحماية المستهلك
= شركات متعددة تستورد سلع رديئة تبيعها وتضحك على شاريها !!
= زيوت محركات مضروبة كبدت المواطن خسائر كبيرة !!
لم نكن في طفولتنا نسمع ما يسوء تجار البلد ، وإن ذكر أحدهم في مجمع لا يذكر إلا بكل خير ، حينها حتى كتب الدرس كانت تسوق لنا صورة مبهجة للتاجر وتصفه بالأمين ، ولم يكن ذاك التوصيف منافيا للحقيقة التي كانت تلف السوق الليبي ، وترسم صورة التاجر فيه . ذلك لأنهم على قلتهم كانت لهم مآثر على الصعيدين الشخصي والمهني تذكر فتشكر . فكم من بيت لله فتحوه ، وكم من رؤوس في الحلال جمعوا ، وكم من مصنع منتج فتحوا ، هذا عدا السلع ذات الجودة العالية التي يستوردونها ، والضمانات الجادة التي يعطونها للزبون ، والتي أبرزها السعر المناسب ، وتوفير خدمة مابعد البيع من صيانة وقطع غيار .
ومع مضي السنين انقلب الوضع ، فبات الغش ديدن جل من لبسوا رداء التجارة ، وصنفوا انفسهم على أنهم رجال أعمال ، فبالكاد نجد سلعة استهلاكية ، كانت أم معمرة تتوفر فيها الجودة المطلوبة ، وحين تعطل ، يكون الرابش أو سوق العتق نهاية المطاف !!
هذا الواقع المر ، ما من مواطن لم يمر بتجربة سيئة من نوع ما ، بينت له الوجه الآخر لتلك الابتسامات ، والترحيب عند اعتزامه شراء سلعة معمرة من أحد الصالات المنتشرة هنا ومناك ، والتي تصنف نفسها على أنها شركة ، وما هي في الحقيقة سوى دكان لا أكثر .
زيارة إجبارية لإحدى ورش صيانة الأدوات الكهرومنزلية ، كانت المفتاح لسرد ما رأيت . كانت الأدوات الكهربائية المنزلية الهائلة العدد على اختلاف علاماتها وانواعها، بعضها مفكك ، وبعضها ينتظر ، وقطع مختلفة مبعثرة هنا وهناك .
تجاذبت الحديث مع الفني السوداني التي كان يستكشف العطل في مقلاة البطاطس التي عطلت فجأة و دون سابق إنذار . قلت له ما حكاية هذه الأجهزة المكدسة هنا وهناك ؟ فقال إنها تخص مواطنين ، بعضها تم إصلاحه بطريقة ” الموديفيكا ” وهي ملائمة قطعة من جهاز آخر مختلف لكنها تؤدي الغرض . وبعضها مازال اصحابها يبحثون لها عن قطع الغيار المطلوبة . وبعضها تركها اصحابها منذ مدة بعد أن فشلت كل محاولات إصلاحها !!
سألته لماذا ، فقال أن أغلب الأجهزة الموجودة بالسوق الليبي تفتقر للمواصفات الجيدة مما يجعلها سريعة العطب ، وفي الغالب لا تجد لها قطع غيار للصيانة !!
ونحن في خضم الحديث دخل مواطن للورشة يسأل الفني ” عبد الرحمن السوداني ” إمكانية صيانة الفرن الكهربائي الغاطس الذي كان بصندوق سيارته .. سأله الفني عن علامتها التجارية ، رد المواطن قائلا ” اسمها .. بلانكو ” فقال له انزلها وأنت وحظك !!؟
هنا سألت المواطن .. لماذا لم تنقلها لمركز الصيانة بالشركة التي اشتريتها منها ؟ .. فقال لي ” عن أي مركز صيانة تتحدث ، تحساب روحك في أوروبا ” وأضاف .. لقد ضحكوا علي ، ولو كنت أدري أن يحصل لي ماحص ماكنت اشتريتها .. هنا دفعني الفضول أكثر لمعرفة التفاصيل ، فقلت له لم أفهم قصدك . فقال لي .. عندما دخلت لمعرض الشركة بطريق قرجي أنا والعائلة ، استقبلونا بالترحاب ، والشرح المفصل عن كل ماكنا نسأل عنه ، حتى اقنعونا بشراء أكثر من جهاز للمطبخ ، بعد أن قالوا لنا أن هذه السلعة لشركة إيطالية وتصنع في الصين ، وعندما سألناهم عن الصيانة وقطع الغيار ، قالوا لدينا كل شيء . لدينا مركز صيانة وقطع الغيار متوفرة . وعلى هذا الأساس اشترينا . نصحوني اصدقائي بعلامة تجارية اسمها ” هومر ” وياريتني ، سمعت كلامهم ، لأن الحق ينقال .. هذه العلامة لها سمعتها ، ولديها مركز صيانة ، وقطع غيار ، وخدمة على مستوى مهني عالي . لكن هذا اللي صار ” .
سألته .. وماذا بعد ؟ قال لم تمر سنة على شراء هذا الفرن ، فحدث به عطل مع بداية شهر رمضان الماضي ، فتوكلت على الله وبدأت اتصل بالشركة عن طريق هواتفهم المدونة بفاتورة الشراء أكثر من مرة فلم يرد أحد . فقررت الذهاب إليهم ، وهناك كانت الصدمة .. حين اكتشفت أنه لا وجود لمركز الصيانة ولا لقطع الغيار . وعندما واجهتهم بما قالوه لي وقت الشراء ، طأطأوا الرؤوس قائلين نحن آسفين لأن قطع الغيار التي كانت لدينا نفذت ، والآن الدولار سعره مرتفع ولم نقدر على استجلاب غيرها ؟!! .. قال : لم يكن لدي ما أفعله سوى القول ” ياله عذر أقبح من ذنب ، وحسبي الله ونعم الوكيل فيكم ” ، وها أنا أبحث عن من يصلحها لي ، علما بأن هذه الورشة هي الرابعة التي أطرق بابها .
مواطن آخر دخل وبيده جهاز ” ميكروويف ” يسأل الفني صيانته .. هو الآخر حكى بعفوية حكايته مع الشركة المسوقة للعلامة التجارية للجهاز . فقال ذهبت إليهم لصيانته فقالوا لي اشتري جهاز آخر جديد أفضل لك .. ولما سألتهم عن السبب ، قالوا لي الصيانة ستكلفك أزيد من ثمن جهاز جديد !!
مواطن آخر .. جاء لاستلام خلاط تمت صيانته .. سمع ما يدور من حوار حول العلامات التجارية الوهمية ، والأخرى سيئة السمعة ، والأدوات الكهربائية المتعددة التي لا تعمل سوى أيام فقط تم تعطل ، وربما لساعات فقط ؟!! فقال .. إن غياب الرقابة على الجودة والسماح لكل من هب ودب باستيراد السلع والأدوات والمعدات الرديئة ، جعل المواطن فريسة للغش وضياع امواله ” بعين تبكي ، وأخرى تضحك ” . مضيفا بالقول : لو جت على خلاط فواكه أو مكوى ملابس ، أو مجفف شعر لهان الأمر . لكن الكارثة في قطع الغيار المقلدة وزيوت السيارات التي تعددت اسماءها ومصادرها ، والتي وقع ضحيتها مئات المواطنين الذين تعطلت سياراتهم جراء استعمال هذه الزيوت المغشوشة ، فكبدتهم وكبدت البلاد خسائر مادية فادحة .
وأضاف .. إن أغلب دول العالم لا تسمح باستيراد السلع المعمرة إلا متى توفرت الضمانات اللازمة من الشركة المصنعة ومن المورد بهدف حماية المستهلك . ولا ننكر وجود علامات عالمية ذات جودة عالية ، لكنها غالية الثمن ، وليس بمقدور غالبية الناس شراؤها . ولهذا يبحث المواطن عن العلامات المتداولة ذات السعر المقبول .
وبمناسبة الحملات التفتيشية التي يقوم بها عناصر جهاز الحرس البلدي ، حبذا لو يتم التفتيش على معارض السلع والمعدات الكهرومنزلية ، والتركيز على ضرورة توفير خدمة ما بعد البيع كشرط أساسي لمزاولة البيع ، ومن المفروض أن تضع وزارة الاقتصاد والصناعة ، والسجل التجاري ، وغرف التجارة والصناعة شرط خدمة ما بعد البيع ، وتوفير استحقاقات حماية المستهلك . ضمن مسوغات فتح الاعتمادات ، وإصدار تراخيص المزاولة .
كلام هؤلاء المواطنين لم يكن ضربا من الخيال ، فجولة واحدة لعدد من ورش الصيانة ، أو سوق ” العتق ” تكفي للإجابة عن مائة سؤال وسؤال .