صناعاتنا التقليدية إرث من الأجداد وميراث للأحفاد
ضعف الدعم المحلي يربكهم في السوق العالمي
استطلاع وتصوير: وليد البكوش
الصناعات التقليدية بعيدا عن دورها الثقافي كواجهة لميراث سنوات طويلة لكل منطقة، تعكس فيها حياتهم اليومية ومدى تأقلمهم مع البيئة المحيطة بهم.
الدور الاقتصادي وخصوصا في المناطق الريفية هو بيت القصيد، باعتبارها مصدر دخل للعديد من الأسر، وتوفير فرص عمل خصوصا للمرأة، وذلك لوفرة المواد الخام وسهولة صناعتها، كما إنها توفر سلع وخدمات للمواطنين تتسم بالجودة العالية والتكلفة القليلة.
في درج بين الطلب التجاري والإرث الثقافي
مدينة درج بالجنوب الغربي الليبي تقع هذه الواحة علي بعد 500 كيلو متر من العاصمة طرابلس ، حيث أن لهذه المنطقة العديد من الحرف والصناعات التقليدية واليدوية التي توارثتها الأجيال من أسلافها.
وفي لقاء مدير منظمة الأمل للتنمية الريفية بدرج الاستاذ يحيى الكرغلي ” أشار بأن حيث ان اغلب الحرف المستمرة الى الآن هي الصناعات نسائية، باعتبارها تتماشى مع العصور والتطور لم يغير من قيمتها وحاجة الناس لها، وبالنسبة للصناعات الرجالية تم الاستغناء عن أكثرها، وذلك بفعل التطور الذي يشهده العالم، فالصناعات الرجالية بمدينة درج تشمل صناعة البيوت بالطين و الابواب والنوافذ والأثاث المنزلي وصناعة الحبال بليف النخيل وغيرها”.
وأضاف الكرغلي “لشجرة النخيل الفضل الكبير في تسهيل حياة أجدادنا فهي البئر الذي ترتوي به اغلب الصناعات التقليدية والحرفية التي استخدمها الأجداد في تسهيل حياتهم اليومية بالاستفادة من خيراته “.
كما أشار “بأن ابزر الحرف المحلية تعتمد علي السعفيات والتي لازالت هي المتصدرة عن باقي الصناعات بالمنطقة لاعتبارها الأكثر رواجاً من حيث الفائدة و التسويق، وبعض الاصناف المشهورة من السعفيات ” الطباق و السلال و القونة أو الحافظة و المنشة أو كما معروفة بالعامية المراوح اليدوية”.
و أعرب السيد الكرغلي بأن المنظمة لها أدوار عديد في المحافظة علي هذا الإرث الثقافي و التاريخي، إذ قمنا بالعديد من الدورات التدريبية في مجال الصناعات التقليدية ومن ابرزها صناعة السعفيات، و دائما ما نشارك في المعارض والبازارات المحلية وذلك لإبراز هذه الحرف التراثية وتسويقها داخل أروقة المعارض، حيث أن جل مشاركاتنا تحظى باهتمام وإقبال كبير من الزوار والمشاركين بالمعارض.
و ناشد الاستاذ يحيى المسؤولين بالدولة بالاهتمام بهذا الجانب بدعم هذه الحرف وتنميتها بتوفير لها قروض تدعم المشاريع الصغرى و تبني الدورات التدريبية وأيضا دعم الحرفين في المشاركات في المعارض المحلية والدولية و تكفل النقل والإقامة لهم، مُنوهاً ان هذه الحرف هي مصدر رزق يعول مئات الأسر المنتجة بمنطقة درج .
في أوجلة تشبت بالماضي وتعايش مع الصحراء
منطقة أوجلة هي منطقة صحراوية تتميز بكثرة أشجار النخيل ، لذلك أهتم الأواجلة وجيرانهم بعدد من الصناعات التي تعتمد على تلك المقومات، فقد كان للنخلة المساهمة الكبيرة في توفير بعض احتياجات الإنسان فصنع من سعفها وعراجينها الأطباق المختلفة الأحجام والسلال ومن جذوعها الأبواب والأسقف، ومن تمرها الدبس والخل ومن نوى التمر القهوة ومن ليفها الحبال ومن كربها المصايد والأحذية وغيرها، والصناعات السعفية منها ما تتخصص فيه النساء كالأطباق المزخرفة المختلفة الاشكال والانواع ، ومنها ما هو تخصص فيه الرجال كصناعة القفاف والفتات والحبال واغطية الرأس وغيرها.
الأستاذ السنوسي بنخاشن رئيس جمعية أوجلة للتراث حدثنا عن هذه الصناعات في أوجلة قائلا ” جل هذه الحرف في ( أوجلة ) لا زالت تصنع ويتعلمها الجيل من الذي سبقه ، ويقدر عدد المزاولين لهذه الحرف وهذه الصناعات بأكثر من 400 ممارس بين الرجال والنساء وتسعى جمعية التراث بالمنطقة إحياء هذه الفنون وما اندثر منها للتعريف به .
أما للوقاية من برودة الشتاء اتجه الإنسان منذ القدم إلى صناعات تعتمد على الصوف مثل صناعة العباءة من صوف الأغنام الخالص فنالت شهرتها حيث تُسمى بالعباءة الأوجلية التي كانت مطلوبة في أسواق بنغازي وسبها وغيرها حتى زمن قريب، إضافة إلى صناعات عديدة تتعلق بالملابس المختلفة للرجال والنساء والاطفال كان من يشتهر بصناعتها من الرجال والنساء.
هناك العديد من انواع الطين المختلف الخصائص لها من الاهمية الكبيرة في عمليات البناء المختلفة ويدخل الطين في صناعة الأفران الطينية التي تشتهر بها أوجلة منذ القدم والمعروف ” التنور ” وبعض الأواني المطبخية مثل البرمة الخاصة بالطبخ إضافة إلى المباخر المختلفة الاحجام”.
أما عن الصعوبات التي تواجه الصناعات التقليدية فقال السنوسي “هو ضعف التسويق فالصانع عندما يفرغ من صنعته يرغب بالتأكيد في تسويقها ليقوم بصناعة الجديد ، كما ان المحافظة على الحرفة أو الصناعة لا يتم الا بعد تكثيف الدورات والتدريب بأشراف خبراء واهل المعرفة بهذه الصناعات للجودة والعطاء، وفي هذا الجانب لم يكن للدولة أي تدخل لدعم مثل هذه الصناعات رغم الحاجة الملحة للمحافظة عليها وتعلمها قبل فوات الاوان” .
كما حدثنا عن جمعيته ” قامت جمعية أوجلة للتراث منذ تأسيسها بالعمل على تشجيع الصناعات التقليدية، وإحياء ما هو طي النسيان ويكاد ان يندثر، ففي مجال الصناعات السعفية النسائية مثلا قامت الجمعية بدور هام في احياء صناعة الاطباق وذلك بشراء المنتوج من اللائي لديهن خبرة في التصنيع، والعمل على إشراك من لم يكن لديه فكرة عن مثل هذه الصناعات ليتعلمها، وبالفعل تعلمت كثير من النسوة هذه الحرفة وبرعن فيها، وكذلك حدث عند الرجال، حيث قامت الجمعية منذ تأسيسها سنة 2003 م بتنظيم المهرجانات المختلفة لعرض المنتجات وطرق التفنن في انتاجها ، الأمر الذي أدى الى إتاحة الفرصة امام الراغبين في تعلم الحرفة واتقانها، والممارسين من ممارسة الحرفة، كما قامت جمعية أوجلة للتراث بتنظيم مهرجان المأكولات الشعبية عدة مرات للتعريف بالصناعات والاكلات الشعبية، وإبرازها أمام الجميع ليتعلمها ويتعرف عليها الجميع، وقد نالت هذه المهرجانات الاستحسان والنجاح الكبير والاقبال الشديد من الاهالي” .
في غات صناعات محلية تحلم بالعالمية
تحدث إلى صحيفة ليبيا الإخبارية عبدالسلام كمدا الحداد رئيس مجلس إدارة جمعية ” أهنسواء للفنون والتراث والصناعات التقليدية بغات ” قائلا .. تزخر غات بالعديد من الصناعات التقليدية والتي تعتبر موروث من الاباء والاجداد وكانت هي مصدر دخل لكل اسرة وتتمثل في صناعة الحلي من الفضة والذهب والخرز والصوف والسعفيات بصفة عامة وصناعة الامواس والسيوف وحدايد اليدين والخواتم والجلدية والاواني الطهي والملابس تعتبر حرفة والعديد منها” .
أما عن عدد المزاولين فقال ” علي حسب نوع الحرفة، مثلا في الصناعات التقليدية بمصنع الحدادة حوالي 6 اشخاص، وفي الصناعات الأخرى أغلبها تمتاز بها النساء من داخل بيوتهن، وتعتبر هي مصدر دخل قوتهن لتوفير بعض مستلزماتها الشخصية اليومية، وأبرز هذه الصناعات هي صناعة السيوف وبعض الحلي التي تصنع من النحاس الاصفر والاحمر والفضة وامواس او سكين وتعرف بكمية للعريس والعروس”.
وعن الصعوبات قال الحداد ” الصعوبات هي عدم اهتمام وزارة الصناعة والاقتصاد والسياحة بهذه الصناعات وابرازها في الاسواق العالمية، اسوة بباقي الدول وتمكنها من الحصول علي علامة الجودة العالمية، حتي يتمكن اصحابها من تصديرها للخارج، وأيضا في السابق كان في دعم بتوفير المواد الخام وشراء المنتج من قبل الوزارة وبعدها تلاشت كل هذه الامور، لكن بعد فتح باب السياحة صار الاقبال عليها بشكل لا يوصف وبشكل خيالي” .
عندما سألناه عن تقصير الدولة هل هو موجود أم مجرد غياب ثانوي لا أكثر ؟ فأجاب “نعم يوجد تقصير كبير وشاسع من الدولة لعدم دعمها لمثل هذه الصناعات والحرف بعدم توفير مصانع صغري وقروض متوسطة الاجل لأصحاب هذه الصنعة أو الحرفة وهي تخلق نوع من ملء الفراغ لدي الشباب العاطل عن العمل، والجانب الذي تقتصر فيه الدولة هو عدم الجدية في الاهتمام بمثل هذه الامور وتوفير كل ما يلزم لهم لكي يتم اظهارها في المعارض العالمية والي اخره”. .
وأضاف “دولتنا لم تصل لمرحلة الاعتناء بالجمعيات لكي تقوم هي بدور الحفاظ وتوريث هذه الصناعات لكل الاجيال أغلب مؤسسات الدولة تنظر للمنظمات المجتمع المدني كمنافس لها كونها تمارس في انشطتها التي هي من دورها . لكن نحن كجمعية نسعي جاهدين لي ابراز هذه المواهب في العارض المحلية والدولية ولكن هذا يحتاج لدعم جيد. وهذا لابد من تدخل الدولة فيه لو هي مهتمة بالصناعات التقليدية بشكل رسمي وجدي وجمعيتنا سبق وان قامت بمعرض لصناعات والحرف التقليدية في غات بحضور وزارة الصناعة ولكن دون جدوي في ذلك . نحتاج للكثير من التوعية والتعريف هذه الامور حسب ما التمسته ورأيته في الخارج فلدي الكثير لقوله بالخصوص” .
واختتم عبدالسلام اللقاء ” يجب علينا الحفاظ عليه وتعليم وتعريف للأجيال القادمة، ونسعي جاهدين لتطويرها لمواكبة الة العصر والتكنولوجيا، لان اغلب الآلات التي كان الاجداد يستخدمونها مضرة للشخص صحيا و ملوثة للبيئة، واغلب وكثيرا من الناس عانوا من فقدان البصر جراء الدخان الناتج من الفحم، ونحن نستطيع الدخول بها في المنافسة بكل الانواع خاصة اذا تم التشجيع والتحفيز هذا كله يزيد من قدرات ومهارات وتطوير الصنعة أو الحرفة والتأهيل ضروري في كل شيء لابد من التأهيل لمواكبة العصر او الحضارة ..