طرابلس الفرح
فيحاء العاقب
(لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار مضاد له في الاتجاه)، هذه القاعدة الفيزيائية التي تعلمناها في سنواتنا الدراسية الأولى، وبقيت راسخة في ركن قصي من عقولنا، حيث الادراج المتراصة فوق بعضها البعض، بعيدا عن أعين النسيان المتربص، والتي تحاول الانقضاض على كل ما نحتفظ به، لتنتزعه بكل وحشية وبدون تهاون، لتجردنا من ذكريات نحاول التشبث بها حتى نظل على قيد الحياة، في زمن بات فيه البحث عن الفرح شاقا ومرهقا حد الانين. كنت اترقب الحرب كأي تائه يحاول استيعاب حالة الفوضى الناجمة عن تسارع الأحداث، في ظل خوف ورعب عن ماهو آت. اقلب الصفحات الفيسبوكية التي لا تحمل الا الأخبار السيئة، والتي تبثها سموما تنساب عبر اجسادنا، لتخلف مشاعر غريبه من التيه، فوراء تلك الشاشة التي حاول واسيني الأعرج وغيره من ادباء، تجميلها عبر رواياتهم المختلفة، وتوصيفها على انها نافذة للحب، او متنفس لكل باحث عن الحياة، كان النقيض. وبعد مكوث لوقت ليس بيسير، اصطدمت بخبر اعاد البسمة، خبر اشبه بصباح العيد بل أجمل، ففي الجانب الأخر، كانت طرابلس تقاوم بكل ما اوتيت من قوة، تقتل شبح الحرب، وتضعه في مقصلة اطرافها الحب والجمال، حيث احتضنت اروقة دار الفقيه حسن معرضا فنيا، تدفق اليه الناس من كل حدب وصوب، افواجا وجماعات، يردعون صوت الرصاص بالفن، ويسكتون صوت ازيز الطائرات بترديد عبارات السلام، والبحر شاهد فبين كل مد لمويجاته وجذر، كان يهدي الحضور قبلاته الداعمة للإستمرار. نافذة اخرى على الفيس استعرضت بروفات لحفل موسيقي لم استوضح مكانه او زمانه، ولم افكر حتى بالتقصي عن من يكون هؤلاء الذين يرسمون اجمل لوحة موسيقية، حيث كانت الكمنجة تتغنج ويغازلها التشيلو فتزداد وتيرة الدلال.. يرمقهم القانون بنظرة حانية تارة.. ويوبخهم تارة اخرى فينصاعون له .. وبين الدف والايقاع احاديث جانبية هادئة ..وفجأة يصدح صوت المغني :يطق القلب ومجور عليا.. فتتمايل الاجساد وترتسم على وجوه الجميع ابتسامة .. اما في الشوارع وعلى ارض الواقع بعيدا عن العالم الافتراضي، وفي (وسط البلاد) ظلت عقود الفل والياسمين تزين المكان، وينطلق عبيرها عابرا المسافات، ليثبت للجميع انها مدينة الياسمين. عراجين الفل التي تنظر عريسا يأتي في أي لحظة مبتسما ليأخذ واحدا، ضاربا بالخوف عرض الحائط، رفقة خلانه في لحظة بهجة. وفي كرنفال من نوع خاص، يلفت انتباه الاطفال ويشتت انظارهم، صوت موسيقى سيارة الايس كريم التي تعزف موسيقى الحياة، تجول في شوارع المدينة، تدغدغ الارواح وتنشر الطمأنينة في قلوب الكبار قبل الصغار. شكرا طرابلس.. مدينة الفرح